• الصفحة الرئيسية

ترجمة آية الله العاملي :

المركز :

بحوث فقهيّة وعقائديّة/ اردو :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مجلّة لسان الصدق الباكستانيّة (3)
  • بحث فقهي عن الشهادة الثالثة (1)

محاضرات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرة الإمام الحجّة (عليه السلام) (121)
  • مظلوميّة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) (20)
  • شبهات وردود حول فقه السيرة الحسينية (11)
  • من هم أهل الثغور؟ (1)
  • محاضرات متفرقة (15)
  • شبهات وردود حول ظلامات سيّدتنا فاطمة عليها السلام (2)
  • الشعائر الحسينية - شبهات وردود (محرم1435هـ/2014م) (9)
  • زيارة أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) (2)
  • البحث القصصي في السيرة المهدوية (22)
  • سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) (6)

أدعية وزيارات ونعي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • أدعية (14)
  • زيارات (9)
  • نعي، لطميّات (4)

العقائد والتاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شبهات وردود (458)
  • عقائدنا في الزيارات (2)

الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • إستفتاءات وأجوبة (1178)
  • أرسل سؤالك

علم الرجال :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مواضيع رجاليّة (102)

مواضيع مشتركة ومتفرقة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مراسلات زوّار الموقع للمركز (4)
  • كلمة - رأي - منفعة (20)
  • نصائح (5)
  • فلسفة ومنطق (4)
  • رسائل تحقيقيّة (3)
  • مواضيع أخلاقيّة (3)
  • فقهي عقائدي (35)
  • فقهي أصولي (11)
  • فقهي تاريخي (6)
  • شعائري / فقهي شعائري (26)
  • مواضيع متفرقة (22)
  • تفسيري (15)

مؤلفات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مؤلفات عقائديّة (15)
  • مؤلفات فقهيّة (13)

بيانات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • بيانات وإعلانات (35)

المؤلفات والكتب :

 
 
 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

 
 • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم وأهلك أعداءهم • 
  • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .

        • القسم الفرعي : شبهات وردود .

              • الموضوع : قواصف الامامية على النواصب البكريين الجاحدين للطف الإلهي في الإمامة الشريفة .

قواصف الامامية على النواصب البكريين الجاحدين للطف الإلهي في الإمامة الشريفة

  النص: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 

 تحية طيبة للشيخ الجليل العاملي 
 هذه شبهة منتشرة في منتديات المخالفين أرجو من الشيخ الرد عليها 
-------------
 فاجعة للإمامية من نهج البلاغة: علي (رضي الله عنه) ينسف نظرية اللطف فيذرها قاعاً صفصفا
 بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ، فمن يتأمل في معتقد الإمامية في الإمامة سيجد أنهم يتفقون مع بعض المعتزلة بوجوبها عقلاً ، ولكنهم افترقوا عنهم بكون المعتزلة جعلوا نصب الإمام واجباً على الخلق ، بينما جعله الإمامية واجباً على الله تعالى ...
 وكان المنطلق والأرضية التي أسسوا عليها الإمامية دعوتهم - بوجوب الإمامة على الله تعالى - هي كون الإمامة لطف يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية وكل ما كان لطفاً وجب على الله تعالى فعله ... وعليه صارت نظرية اللطف - أي وجوب اللطف على الله تعالى - هي المرتكز الأساسي الذي اعتمدوا عليه في إيجابهم نصب الإمام على الله تعالى.
 وبالرغم من رد جميع علماء الفرق والمذاهب على دعواهم تلك بتفصيل ووجوه شتى ، إلا أني وقفت على نص خطير وصريح - في أهم مصادر الإمامية المعتمدة ألا وهو نهج البلاغة - منسوب لعلي رضي الله عنه ينسف فيه نظرية اللطف الإلهي وذلك من خلال إيراده أموراً لم يفعلها الله تعالى مع أن فعلها سيقرب العباد إلى الطاعة ويجلعهم يقبلون عليها بشكل أكبر وأسرع وأيسر منهم في حال عدمها وعدم إيجادها ...
 وإليكم هذه الأمور التي أوردها في خطبته المشهورة بالقاصعة وكما يلي:
 الأمر الأول: مكان الكعبة لو كان فيه جواهر والياقوت لكان أدعى لقبول الناس واستسلامهم
 وهذا الأمر قد ذكره صراحة حين قال ( 2 / 146-148 ):[ فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما . ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا ، وأقل نتائق الأرض مدرا . وأضيق بطون الأودية قطرا . بين جبال خشنة ، ورمال دمثة ، وعيون وشلة ، وقرى منقطعة . لا يزكو بها خف ، ولا حافر ولا ظلف ... ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام بين جنات وأنهار ، وسهل وقرار ، جم الأشجار ، داني الثمار ، ملتف البنا ، متصل القرى ، بين برة سمراء ، وروضة خضراء ، وأرياف محدقة ، وعراص مغدقة ، ورياض ناضرة ، وطرق عامرة ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء . ولو كان الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس ... .
    فتأمل كيف اعترف بلطفية هذا الأمر لكونه يقرب العباد إلى التسليم ويبعدهم عن الشك والريب حيث قال:[ ولو كان الأساس المحمول عليها ، والأحجار المرفوع بها بين زمردة خضراء ، وياقوتة حمراء ، ونور وضياء ، لخفف ذلك مسارعة الشك في الصدور ، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب ، ولنفى معتلج الريب من الناس].
 الأمر الثاني: لو خلق الله تعالى آدم من نور بدل الطين لسهَّل خضوعهم له
 وهذا الأمر قد ذكره صراحة حيث قال ( 2 / 137-138 ) :[ ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين ، فقال سبحانه وهو العالم بمضمرات القلوب ، ومحجوبات الغيوب : " إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس " اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه ، وتعصب عليه لأصله ... ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة . ولكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ونفيا للاستكبار عنهم ، وإبعادا للخيلاء منهم ].
 فتأمل كيف اعترف بلطفية هذا الأمر لكونه يقربهم من الخضوع والاستسلام ويبعدهم عن المعصية والاستكبار حيث قال:[ ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة ].
 الأمر الثالث: جعل الأنبياء أهل ملك وسلطان وكنوز وزعامة يجعل الناس يقبلون على الإيمان بهم وتصديقهم
 وهذا الأمر قد ذكره صراحة حيث قال ( 2 / 145-146 ):[ ولو كانت الانبياء أهل قوة لا ترام وعزة لا تضام ، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال ، وتشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم ].
  فتأمل كيف اعترف بلطفية هذا الأمر لكونه يقربهم من الإيمان ويبعدهم عن المعصية والاستكبار حيث قال:[ لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم]. 
 وعليه فإن هذا سيجعل الإمامية بين خيارين أحلاهما مر وكما يلي:
 الخيار الأول:
     التزام كلام علي رضي الله عنه وتبني ما ورد فيه من حقائق ، والذي سيترتب عليه الاعتراف ببطلان نظرية اللطف الإلهي بدليل عدم فعل الله تعالى لتلك الألطاف فلو كان اللطف واجباً عليه لما أخلَّ به سبحانه وتعالى،  وهذا بدوره سيؤدي إلى نسف كل ما بنوه من الاستدلال العقلي بكون نصب الإمام واجباً على الله تعالى لأنه لطف.
 الخيار الثاني:
    أن يتمسكوا بما سطره علماء الإمامية من وجوب اللطف على الله تعالى ، والذي سيترتب عليه تخطئة علي رضي الله عنه بقوله ذاك ، ومن ثم نسف عصمته وإبطالها بعد نطقه بحقائق هي خلاف الحق الذي عليه علماء الإمامية.
 ونحن بانتظار العقلاء من الإمامية ليعلنوا بشجاعة بأي الخيارين سيلتزمون ( وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ).
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الموضوع العقائدي: قواصف الامامية على النواصب البكريين الجاحدين للطف الإلهي في الإمامة الشريفة.
    التفاصيل: الشروع في الردِّ على مقالة النواصب تحت عنوان:" فاجعة للإمامية من نهج البلاغة: علي (رضي الله عنه) ينسف نظرية اللطف فيذرها قاعاً صفصفاً " / نصب الإمام عندنا نحن الشيعة واجب عقلاً وسمعاً / نصب الإمام واجبٌ سمعاً عند المخالفين / الخوارج ينفون نصب الإمام عقلاً وسمعاً  / الرد على شبهة نفي اللطف بوجوهٍ متعددة / خطبة القاصعة ليس فيها ما يدل على نفي اللطف / الخطبة القاصعة تؤكد اللطف / الخطبة في مورد بيان شدة التكليف على الأنبياء وأتباعهم / القرائن المهمة التي في الخطبة تؤكد مسألة الإبتلاء / أكثر فقرات الخطبة تشير إلى لطف النبوة والإمامة الإلهية / الغاية من التكليف هو الاختبار / الاختبار لا يكون بكعبة مزينة بالياقوت والزبرجد / بمقدور الله تعالى أن يجعل الكعبة ذات ياقوتة حمراء ولكنه لم يفعل لأجل الاختبار والامتحان / إحتجاج إمامنا المعظم الصادق عليه السلام على الزنديق الجاحد للطف النبوة ولطف إمامة الحجج الطاهرين عليهم السلام / مقتضى العدل واللطف بالأمم السابقة أن يكون لهذه الأمة ما كان لهم/ النواصب لم يفهموا المراد من نصب الإمام عليه السلام بشكلٍ صحيح إما عناداً أو جهلاً / بيان الصغرى والكبرى المنطقية / لا بد من شروط ثلاثة في لطفية الإمام عليه السلام / لم يعرف النواصب وجه الفرق بين اللطف المحصِّل واللطف المقرِّب / الفرق بين اللطف المحصِّل واللطف المقرِّب / مورد بحثنا إنما هو في اللطف المقرّب/ ثلاثة شروط وقيود لا بد منها في اللطف المقرّب/ شرح القيود الثلاثة / ثمة فرقٌ بين التكليف واللطف/ حقد المخالفين على علماء العقيدة عند الشيعة الامامية / جوابنا على تحدي الناصبي في خياريه اللذين خيَّرنا بأحدهما / قبل أن تعيبوا على الشيعة عليكم أن تنظروا في عوراتكم العقائدية والفقهية / لقد كشفنا الكثير عن عوراتكم في كتبنا الأربعة الكبرى.

 الشروع في الإجابة:
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
       الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الكافرين، مستأصل شأفة النواصب والبتريين، ولعنته الدائمة السرمدية على أعدائهم ومبغضيهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين...وبعد: 
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
     الجواب: لقد اعتمد الناصبي العنيد بدعواه الباطلة في تفنيده لنظرية اللطف ــ التي نعتقد بها نحن الشيعة كدليلٍ على وجوب الإمامة الإلهية في كل زمن إلى يوم القيامة ـــ على نصوص من نهج البلاغة، مدعياً أنها في مقام بيان رد أدلة قاعدة اللطف.
    وهذه الشبهة لم تكن وليدة الساعة، بل سبقهم إليها أجدادهم من نواصب الخوارج النافين لوجوب اللطف في تنصيب الإمام عليه السلام في مقام الخلافة الإلهية بعد النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله)، ونحن عندما نرد عليها، إنما نرد على من سبقهم من خوارج أهل نجد وإلا فإن نصب الإمام بعد النبي يعد واجباً سمعاً ــ لا عقلا ــ عند عامة فرق المخالفين...!
  ويبدو لنا أن أصحاب الشبهة من نواصب الحرورية أو هي من مبتدعات مشايخ الأشاعرة لزرع الشك في نفوس الشيعة في عصر أصبحت المعلومة فيه على مواقع الإنترنت من أهم دعائم التبليغ السني لضرب التشيع في الصميم... فهؤلاء الوطاويط مجرد آلات صماء وطبول فارغة تقرع في الهواء بلا طائل..! ومن واجبنا الشرعي أن نردَّ عليها ونبطل مزاعمها وإن كانت لا تستحق الرد.
 وهي دعاوى فاسدة من الأساس، وذلك بالوجوه الآتية:
      (الوجه الأول):إن دعوى الناصبي المفتري في بطلان قاعدة اللطف بما استشهد به من كلمات أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليهما)...فاسدة من أساسها، إذ إن كلام سيّدنا وإمامنا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله) لا يشير إلى مسألة اللطف المطلق الذي لا يقابله شيء ، وإنما هو صريح في الممازجة بين اللطف النسبي (كما سوف نوضّح لاحقاً الفرق بين اللطف المطلق والنسبي) وبين مسألة الابتلاء والامتحان بتكاليف ليس بوسع البشر الاطلاع على كنهها والغوص في عمق أسرارها، بل لا بدَّ من الرجوع إلى من نصبهم قادة على خلقه وساسة لهم يحفظونهم من التفلت والضياع، فأرسل إليهم الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) لكي يطلعوهم على الغاية من التكليف وكيفية العروج إلى الله تعالى، وهو عين اللطف النسبي المقرِّب إلى الطاعة والمبعِّد عن المعصية؛ إذ إن الأنبياء والأولياء عليهم السلام مقرِّبون إلى الطاعات ومبعِّدون عن المعاصي والأخطاء..من هنا كان كلامُ إمامِنا الأعظم مولانا عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليه) مقروناً  بقرائن مهمة تبيّن وجهَ الحكمة من إرسال الرسل ونصب الحجج الطاهرين عليهم السلام، ولم يشر ـــ لا من قريب ولا من بعيد ــ إلى نفيه للطف الإلهي في الإمامة، بل العكس هو الصحيح حيث نوَّه بفضل إمامته وما صدر منه من كرامات وفضائل هي السبق إلى الخلافة الربانية في معرض كلامه الشريف حول شرافة الوحي في فقرة" فضل الوحي"، وأين هذا مما ادَّعاه النواصب في شبهتهم في نفي اللطف الإلهي في نصب الرسل والحجج (سلام الله عليهم)..!!؟
      وإليكم الخطبة القاصعة التي أجاد فيها مولانا وإمامنا الأعظم أمير المؤمنين عليه السلام بنصب القرائن والشواهد على أن الحكمة من التكليف إنما هو الابتلاء الذي يحتاج إلى انقيادٍ من جهة المكلّفين لا التمرد على الله تعالى ورسوله والحجج من عترته الطاهرة (سلام الله عليهم) لمجرد أن المكلَّف لا يعرف كنه التكليف وأسرار النبوة والإمامة والولاية، فقال:" الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ والْكِبْرِيَاءَ - واخْتَارَهُمَا لِنَفْسِه دُونَ خَلْقِه - وجَعَلَهُمَا حِمًى وحَرَماً عَلَى غَيْرِه - واصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِه -
رأس العصيان
وجَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَه فِيهِمَا مِنْ عِبَادِه - ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَه الْمُقَرَّبِينَ - لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ - فَقَالَ سُبْحَانَه وهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ - ومَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ * ( إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ - فَإِذا سَوَّيْتُه ونَفَخْتُ فِيه مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَه ساجِدِينَ - فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ ) * - اعْتَرَضَتْه الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِه - وتَعَصَّبَ عَلَيْه لأَصْلِه - فَعَدُوُّ اللَّه إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ - الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ ونَازَعَ اللَّه رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ - وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ - أَلَا تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَه اللَّه بِتَكَبُّرِه - ووَضَعَه بِتَرَفُّعِه فَجَعَلَه فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً - وأَعَدَّ لَه فِي الآخِرَةِ سَعِيراً
ابتلاء اللَّه لخلقه
ولَوْ أَرَادَ اللَّه أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ - يَخْطَفُ الأَبْصَارَ ضِيَاؤُه ويَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُه - وطِيبٍ يَأْخُذُ الأَنْفَاسَ عَرْفُه لَفَعَلَ - ولَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَه الأَعْنَاقُ خَاضِعَةً - ولَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيه عَلَى الْمَلَائِكَةِ
- ولَكِنَّ اللَّه سُبْحَانَه يَبْتَلِي خَلْقَه بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَه - تَمْيِيزاً بِالِاخْتِبَارِ لَهُمْ ونَفْياً لِلِاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ - وإِبْعَاداً لِلْخُيَلَاءِ مِنْهُمْ -
طلب العبرة
فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّه بِإِبْلِيسَ - إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَه الطَّوِيلَ وجَهْدَه الْجَهِيدَ - وكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّه سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ - لَا يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الآخِرَةِ - عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ - فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّه بِمِثْلِ مَعْصِيَتِه - كَلَّا مَا كَانَ اللَّه سُبْحَانَه لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً - بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِه مِنْهَا مَلَكاً - إِنَّ حُكْمَه فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وأَهْلِ الأَرْضِ لَوَاحِدٌ - ومَا بَيْنَ اللَّه وبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِه هَوَادَةٌ - فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَه عَلَى الْعَالَمِينَ
التحذير من الشيطان
فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّه عَدُوَّ اللَّه أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِه - وأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِه وأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِه ورَجِلِه - فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِيدِ - وأَغْرَقَ إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِيدِ - ورَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ - فَقَالَ * ( رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ - ولأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) * - قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ ورَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ - صَدَّقَه بِه أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ - وفُرْسَانُ الْكِبْرِ والْجَاهِلِيَّةِ - حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَه الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ - واسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِيَّةُ مِنْه فِيكُمْ - فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِيِّ إِلَى الأَمْرِ الْجَلِيِّ - اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُه عَلَيْكُمْ - ودَلَفَ بِجُنُودِه نَحْوَكُمْ - فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ - وأَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ - وأَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ - وحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ ودَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ - وقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وسَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ - إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّةِ لَكُمْ - فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِي دِينِكُمْ حَرْجاً - وأَوْرَى فِي دُنْيَاكُمْ قَدْحاً - مِنَ الَّذِينَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وعَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ - فَاجْعَلُوا عَلَيْه حَدَّكُمْ ولَه جِدَّكُمْ - فَلَعَمْرُ اللَّه لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ - ووَقَعَ فِي حَسَبِكُمْ ودَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ - وأَجْلَبَ بِخَيْلِه عَلَيْكُمْ وقَصَدَ بِرَجِلِه سَبِيلَكُمْ - يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ ويَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ - لَا تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَةٍ ولَا تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةٍ - فِي حَوْمَةِ ذُلٍّ وحَلْقَةِ ضِيقٍ - وعَرْصَةِ مَوْتٍ وجَوْلَةِ بَلَاءٍ - فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ - مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ - فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ - مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ ونَخَوَاتِه ونَزَغَاتِه ونَفَثَاتِه - واعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِكُمْ - وإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ - وخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ - واتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ - مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وجُنُودِه - فَإِنَّ لَه مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وأَعْوَاناً - ورَجِلًا وفُرْسَاناً - ولَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّه - مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَه اللَّه فِيه - سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِه مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ - وقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِه مِنْ نَارِ الْغَضَبِ - ونَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِه مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ - الَّذِي أَعْقَبَه اللَّه بِه النَّدَامَةَ - وأَلْزَمَه آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
التحذير من الكبر
أَلَا وقَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ وأَفْسَدْتُمْ فِي الأَرْضِ - مُصَارَحَةً لِلَّه بِالْمُنَاصَبَةِ - ومُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَةِ - فَاللَّه اللَّه فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ وفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ - فَإِنَّه مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ ومَنَافِخُ الشَّيْطَانِ - الَّتِي خَدَعَ بِهَا الأُمَمَ الْمَاضِيَةَ والْقُرُونَ الْخَالِيَةَ - حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِه ومَهَاوِي ضَلَالَتِه - ذُلُلًا عَنْ سِيَاقِه سُلُساً فِي قِيَادِه - أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيه وتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْه - وكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِه -
التحذير من طاعة الكبراء
أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وكُبَرَائِكُمْ - الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ - وأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ - وجَاحَدُوا اللَّه عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ - مُكَابَرَةً لِقَضَائِه ومُغَالَبَةً لِآلَائِه - فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ - ودَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ - فَاتَّقُوا اللَّه ولَا تَكُونُوا لِنِعَمِه عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً - ولَا لِفَضْلِه عِنْدَكُمْ حُسَّاداً - ولَا تُطِيعُوا الأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ - وخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ - وهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ - اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ - وجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ - وتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ - اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ ودُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ - ونَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ - فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِه ومَوْطِئَ قَدَمِه ومَأْخَذَ يَدِه -
العبرة بالماضين
فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ - مِنْ بَأْسِ اللَّه وصَوْلَاتِه ووَقَائِعِه ومَثُلَاتِه - واتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ ومَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ - واسْتَعِيذُوا بِاللَّه مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ - كَمَا تَسْتَعِيذُونَه مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ فَلَوْ رَخَّصَ اللَّه فِي الْكِبْرِ لأَحَدٍ مِنْ عِبَادِه - لَرَخَّصَ فِيه لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِه - وأَوْلِيَائِه ولَكِنَّه سُبْحَانَه كَرَّه إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ - ورَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ - فَأَلْصَقُوا بِالأَرْضِ خُدُودَهُمْ - وعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ - وخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ - وكَانُوا قَوْماً
مُسْتَضْعَفِينَ - قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّه بِالْمَخْمَصَةِ وابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ - وامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ ومَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِه - فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى والسُّخْطَ بِالْمَالِ والْوَلَدِ - جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ - والِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى والِاقْتِدَارِ - فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَه وتَعَالَى - * ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِه مِنْ مالٍ وبَنِينَ - نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) * فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه يَخْتَبِرُ عِبَادَه الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ - بِأَوْلِيَائِه الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ -
تواضع الأنبياء
ولَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ومَعَه أَخُوه هَارُونُ ( ع ) - عَلَى فِرْعَوْنَ وعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ - وبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَه إِنْ أَسْلَمَ - بَقَاءَ مُلْكِه ودَوَامَ عِزِّه - فَقَالَ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ - وبَقَاءَ الْمُلْكِ - وهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ والذُّلِّ - فَهَلَّا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ - إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وجَمْعِه - واحْتِقَاراً لِلصُّوفِ ولُبْسِه - ولَوْ أَرَادَ اللَّه سُبْحَانَه لأَنْبِيَائِه - حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ - ومَعَادِنَ الْعِقْيَانِ ومَغَارِسَ الْجِنَانِ - وأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ ووُحُوشَ الأَرَضِينَ - لَفَعَلَ - ولَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وبَطَلَ الْجَزَاءُ
- واضْمَحَلَّتِ الأَنْبَاءُ ولَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ - ولَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ - ولَا لَزِمَتِ الأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا - ولَكِنَّ اللَّه سُبْحَانَه جَعَلَ رُسُلَه أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ - وضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ - مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى - وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى ولَوْ كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ وعِزَّةٍ لَا تُضَامُ - ومُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَه أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وتُشَدُّ إِلَيْه عُقَدُ الرِّحَالِ - لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الِاعْتِبَارِ - وأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الِاسْتِكْبَارِ - ولَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ - فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً والْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً - ولَكِنَّ اللَّه سُبْحَانَه أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِه - والتَّصْدِيقُ بِكُتُبِه والْخُشُوعُ لِوَجْهِه - والِاسْتِكَانَةُ لأَمْرِه والِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِه - أُمُوراً لَه خَاصَّةً لَا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ وكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى والِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ - كَانَتِ الْمَثُوبَةُ والْجَزَاءُ أَجْزَلَ -
الكعبة المقدسة
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَه اخْتَبَرَ - الأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ( ص ) إِلَى الآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ - بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ ولَا تُبْصِرُ ولَا تَسْمَعُ - فَجَعَلَهَا بَيْتَه الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَه لِلنَّاسِ قِيَاماً – ثُمَّ وَضَعَه بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الأَرْضِ حَجَراً - وأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً - وأَضْيَقِ بُطُونِ الأَوْدِيَةِ قُطْراً - بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ ورِمَالٍ دَمِثَةٍ - وعُيُونٍ وَشِلَةٍ وقُرًى مُنْقَطِعَةٍ - لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ ولَا حَافِرٌ ولَا ظِلْفٌ - ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ( ع ) ووَلَدَه أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَه - فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ - تَهْوِي إِلَيْه ثِمَارُ الأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ - ومَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ - حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا - يُهَلِّلُونَ لِلَّه حَوْلَه ويَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ - شُعْثاً غُبْراً لَه قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ - وشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ - ابْتِلَاءً عَظِيماً وامْتِحَاناً شَدِيداً - واخْتِبَاراً مُبِيناً وتَمْحِيصاً بَلِيغاً - جَعَلَه اللَّه سَبَباً لِرَحْمَتِه ووُصْلَةً إِلَى جَنَّتِه - ولَوْ أَرَادَ سُبْحَانَه - أَنْ يَضَعَ بَيْتَه الْحَرَامَ ومَشَاعِرَه الْعِظَامَ - بَيْنَ جَنَّاتٍ وأَنْهَارٍ وسَهْلٍ وقَرَارٍ - جَمَّ الأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ - مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى - بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ ورَوْضَةٍ خَضْرَاءَ - وأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ - ورِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وطُرُقٍ عَامِرَةٍ - لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ - ولَوْ كَانَ الإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا - والأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا - بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ ويَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ ونُورٍ وضِيَاءٍ - لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ - ولَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ - ولَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ - ولَكِنَّ اللَّه يَخْتَبِرُ عِبَادَه بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ - ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ - ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِه - إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ - وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ - ولِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِه - وأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِه
عود إلى التحذير
فَاللَّه اللَّه فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ - وآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ وسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ - فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى ومَكِيدَتُه الْكُبْرَى - الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ - فَمَا تُكْدِي أَبَداً ولَا تُشْوِي أَحَداً - لَا عَالِماً لِعِلْمِه ولَا مُقِلاًّ فِي طِمْرِه - وعَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اللَّه عِبَادَه الْمُؤْمِنِينَ - بِالصَّلَوَاتِ والزَّكَوَاتِ - ومُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ - تَسْكِيناً لأَطْرَافِهِمْ وتَخْشِيعاً لأَبْصَارِهِمْ - وتَذْلِيلًا لِنُفُوسِهِمْ وتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ - وإِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ - ولِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوه بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً - والْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالأَرْضِ تَصَاغُراً - ولُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا - مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الأَرْضِ - وغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ والْفَقْرِ
فضائل الفرائض
انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِه الأَفْعَالِ - مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ ولَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ - يَتَعَصَّبُ لِشَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ - تَحْتَمِلُ تَمْوِيه الْجُهَلَاءِ - أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ - فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَه سَبَبٌ ولَا عِلَّةٌ - أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لأَصْلِه - وطَعَنَ عَلَيْه فِي خِلْقَتِه - فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وأَنْتَ طِينِيٌّ -
عصبية المال
وأَمَّا الأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الأُمَمِ - فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ - فَ * ( قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وأَوْلاداً - وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) * - فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ - فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ - ومَحَامِدِ الأَفْعَالِ ومَحَاسِنِ الأُمُورِ - الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ والنُّجَدَاءُ - مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ ويَعَاسِيبِ القَبَائِلِ - بِالأَخْلَاقِ الرَّغِيبَةِ والأَحْلَامِ الْعَظِيمَةِ - والأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ والآثَارِ الْمَحْمُودَةِ - فَتَعَصَّبُوا لِخِلَالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ - والْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ والطَّاعَةِ لِلْبِرِّ - والْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ والأَخْذِ بِالْفَضْلِ - والْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ والإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ - والإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ والْكَظْمِ لِلْغَيْظِ - واجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ واحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ قَبْلَكُمْ - مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الأَفْعَالِ وذَمِيمِ الأَعْمَالِ - فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ والشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ - واحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ - فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ - فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِه شَأْنَهُمْ - وزَاحَتِ الأَعْدَاءُ لَه عَنْهُمْ - ومُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِه عَلَيْهِمْ - وانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَه مَعَهُمْ ووَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْه حَبْلَهُمْ - مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ واللُّزُومِ لِلأُلْفَةِ - والتَّحَاضِّ عَلَيْهَا والتَّوَاصِي بِهَا - واجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ - مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وتَشَاحُنِ الصُّدُورِ - وتَدَابُرِ النُّفُوسِ وتَخَاذُلِ الأَيْدِي وتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ - كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ والْبَلَاءِ - أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً - وأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا - اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ - و - جَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وقَهْرِ الْغَلَبَةِ - لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ ولَا سَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ - حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّه سُبْحَانَه - جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الأَذَى فِي مَحَبَّتِه - والِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوه مِنْ خَوْفِه - جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً – فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ والأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ - فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وأَئِمَّةً أَعْلَاماً - وقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّه لَهُمْ - مَا لَمْ تَذْهَبِ الآمَالُ إِلَيْه بِهِمْ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً - والأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً والْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً - والأَيْدِي مُتَرَادِفَةً والسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً - والْبَصَائِرُ نَافِذَةً والْعَزَائِمُ وَاحِدَةً - أَلَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الأَرَضِينَ - ومُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ - فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْه فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ - حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وتَشَتَّتَتِ الأُلْفَةُ - واخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ والأَفْئِدَةُ - وتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ - وقَدْ خَلَعَ اللَّه عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِه - وسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِه - وبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ - عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ
الاعتبار بالأمم
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ - وبَنِي إِسْحَاقَ وبَنِي إِسْرَائِيلَ ( ع ) - فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الأَحْوَالِ وأَقْرَبَ اشْتِبَاه الأَمْثَالِ - تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وتَفَرُّقِهِمْ - لَيَالِيَ كَانَتِ الأَكَاسِرَةُ والْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ - يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الآفَاقِ وبَحْرِ الْعِرَاقِ - وخُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ - ومَهَافِي الرِّيحِ ونَكَدِ الْمَعَاشِ - فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ ووَبَرٍ - أَذَلَّ الأُمَمِ دَاراً وأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً - لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا - ولَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا - فَالأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ والأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ - والْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ - فِي بَلَاءِ أَزْلٍ وأَطْبَاقِ جَهْلٍ - مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ - وأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ
النعمة برسول اللَّه
فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّه عَلَيْهِمْ - حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا - فَعَقَدَ بِمِلَّتِه طَاعَتَهُمْ وجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِه أُلْفَتَهُمْ - كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا - وأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا - والْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا - فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ - وفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ - قَدْ تَرَبَّعَتِ الأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ - وآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ - وتَعَطَّفَتِ الأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ - فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ - ومُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الأَرَضِينَ - يَمْلِكُونَ الأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ - ويُمْضُونَ الأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ - لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ ولَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ
لوم العصاة
أَلَا وإِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ - وثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّه الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ - فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه قَدِ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هَذِه الأُمَّةِ - فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِه الأُلْفَةِ - الَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا ويَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا - بِنِعْمَةٍ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً - لأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ - واعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً - وبَعْدَ الْمُوَالَاةِ أَحْزَاباً - مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِه - ولَا تَعْرِفُونَ مِنَ الإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَه - تَقُولُونَ النَّارَ ولَا الْعَارَ - كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِه - انْتِهَاكاً لِحَرِيمِه ونَقْضاً لِمِيثَاقِه الَّذِي وَضَعَه اللَّه لَكُمْ - حَرَماً فِي أَرْضِه وأَمْناً بَيْنَ خَلْقِه - وإِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِه حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ - ثُمَّ لَا جَبْرَائِيلُ ولَا مِيكَائِيلُ - ولَا مُهَاجِرُونَ ولَا أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ - إِلَّا الْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّه بَيْنَكُمْ - وإِنَّ عِنْدَكُمُ الأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّه وقَوَارِعِه - وأَيَّامِه ووَقَائِعِه - فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَه جَهْلًا بِأَخْذِه - وتَهَاوُناً بِبَطْشِه ويَأْساً مِنْ بَأْسِه - فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانَه لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ - إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ - فَلَعَنَ اللَّه السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي والْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ التَّنَاهِي أَلَا وقَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ الإِسْلَامِ - وعَطَّلْتُمْ حُدُودَه وأَمَتُّمْ أَحْكَامَه - أَلَا وقَدْ أَمَرَنِيَ اللَّه - بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ والنَّكْثِ والْفَسَادِ فِي الأَرْضِ- فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ - وأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ - وأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ - وأَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُه - بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِه ورَجَّةُ صَدْرِه - وبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ - ولَئِنْ أَذِنَ اللَّه فِي الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ - لأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ تَشَذُّراً
فضل الوحي
أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلَاكِلِ الْعَرَبِ - وكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ ومُضَرَ - وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّه ( ص ) - بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ والْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ - وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه - ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه - ويُشِمُّنِي عَرْفَه - وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه - ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ - ولَقَدْ قَرَنَ اللَّه بِه ( ص ) - مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه - يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ - ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه - ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه - يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً - ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه - ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ - فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي - ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ
فِي الإِسْلَامِ - غَيْرَ رَسُولِ اللَّه ( ص ) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا - أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ - ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه ( ص ) - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّه مَا هَذِه الرَّنَّةُ - فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه - إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى - إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ - وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ ولَقَدْ كُنْتُ مَعَه ( ص ) لَمَّا أَتَاه الْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ - فَقَالُوا لَه يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً - لَمْ يَدَّعِه آبَاؤُكَ ولَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ - ونَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْه وأَرَيْتَنَاه - عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ ورَسُولٌ - وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ - فَقَالَ ( ص ) ومَا تَسْأَلُونَ قَالُوا - تَدْعُو لَنَا هَذِه الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا - وتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ ( ص ) - * ( إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) * - فَإِنْ فَعَلَ اللَّه لَكُمْ ذَلِكَ أَتُؤْمِنُونَ وتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ - قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ - وإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ - وإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ ومَنْ يُحَزِّبُ الأَحْزَابَ - ثُمَّ قَالَ ( ص ) يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ - إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّه والْيَوْمِ الآخِرِ - وتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّه فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ - حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّه - فَوَالَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا - وجَاءَتْ ولَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ - وقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ - حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّه ( ص ) مُرَفْرِفَةً - وأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّه ( ص ) - وبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وكُنْتُ عَنْ يَمِينِه ( ص ) - فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً واسْتِكْبَاراً - فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا ويَبْقَى نِصْفُهَا - فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْه نِصْفُهَا - كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وأَشَدِّه دَوِيّاً - فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّه ( ص ) - فَقَالُوا كُفْراً وعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ - فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِه كَمَا كَانَ - فَأَمَرَه ( ص ) فَرَجَعَ - فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّه - وأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى - تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ - فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ * ( ساحِرٌ كَذَّابٌ ) * - عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيه - وهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي - وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّه لَوْمَةُ لَائِمٍ - سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وكَلَامُهُمْ كَلَامُ الأَبْرَارِ - عُمَّارُ اللَّيْلِ ومَنَارُ النَّهَارِ - مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّه وسُنَنَ رَسُولِه - لَا يَسْتَكْبِرُونَ ولَا يَعْلُونَ - ولَا يَغُلُّونَ ولَا يُفْسِدُونَ - قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ ". انتهت الخطبة.
 والحاصل: إن من يتمعن ويتدبر في فصول الخطبة المسماة بالقاصعة لا يجد سوى تثبيت التوحيد والنبوة والإمامة ونفي الكبر والتمرد على الله سبحانه وتعالى ورسوله والحجج الطاهرين عليهم السلام، فقد تضمنت العناوين التالية:
رأس العصيان/ ابتلاء الله تعالى لخلقه/ طلب العزة/ التحذير من الشيطان/ التحذير من الكبر/ التحذير من طاعة الكبراء/ العبرة بالماضين/ تواضع الأنبياء/ الابتلاء بالكعبة الشريفة/ تحذير من عاقبة الكبر/ فضائل الفرائض/ عصبية المال/ الاعتبار بالأمم/ النعمة برسول الله/ لوم العصاة/ فضل الوحي.
  إن عامة فقرات الخطبة الشريفة تدور حول الطاعة والعصيان والقبول من الله تبارك شأنه ومن الأنبياء والحجج عليهم السلام وفي مقابل ذلك التمرد عليهم، وليس فيها ـــ ولو كلمة واحدة ـــ ما يشير إلى نفي الإمام عليه السلام إلى قاعدة اللطف التي دلت عليها الآيات والأخبار الشريفة، بل صريح كلامه الشريف أن التارك للإقتفاء به (سلام الله عليه) هو التمرد بعينه على الله تعالى والنبي والحجج عليهم السلام تماماً كتمرد إبليس الملعون على الله تعالى، ويشهد لهذا ما أشار إليه (أرواحنا له الفداء) في فقرة"فضل الوحي" أنه كان يتبع الرسول اتباع الفصيل أثر أمه وأنه كان يرى الوحي ويسمع رنة إبليس كما كان يسمعها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأن النبيَّ الأكرم (صلى الله عليه وآله أشار إليه بأنه وزيره...أليس ذلك كلّه دلالة واضحة على فضله وعلو قدره وأنه الإمام العظيم الذي يجب على الأمة المنكوسة ـــ التي انقلبت عليه وعلى النبيّ وابنته الطاهرة المطهرة مولاتنا فاطمة الزهراء (سلام الله عليهما) ـــ أن تتبعه وتنقاد لأمره وتبخع لجنابه الطاهر المقدس والمنزَّه عن كلّ عيب ونقص...! ما هذه الشنشنة في بغضه والعداوة له..!!
شنشنة أعرفها من أخزم    وهل تلد الحيَّة إلا حيَّة
    عودٌ على بدء: إن الله سبحانه عندما كلَّف العباد بتكاليف، أراد منهم اختبارهم في أنفسهم، واختبارهم بالطاعة لأنبيائه وحججه الطاهرين عليهم السلام في أن يتوجهوا إليهم (عليهم السلام) لكي يقيموا لهم الحدود وينتصفوا للمظلوم من الظالم ويرشدوهم إلى العبادة وما ينفعهم، ويبعدوهم عما يفسدهم ويضرهم، ولو أراد منهم العبادة وإقامة الحق من دون رجوع إلى حججه المعصومين عليهم السلام لكان فعل، فكان بمقدوره عزَّ وجلَّ أن يجعل لهم الكعبة ياقوتة حمراء ويقيم لهم الدلائل من دون واسطة الأنبياء والحجج عليهم السلام ، فساعتئذ يقل الثواب وينقص الجزاء، ولكنه لم يفعل ذلك، بل جعل الكعبة في أضيق المسالك ذات أحجار سوداء امتحاناً لعامة خلقه وابتلاءً لهم حتى يعظم الثواب ويكثر الجزاء..
  وأين هذا مما ادَّعاه الناصبي في دعواه بنفي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لقاعدة اللطف التي نؤمن بها نحن الشيعة، وقد أخذناها عنه وعن بقية أبنائه الغر المطهرين عليهم السلام، حيث إن كلماتهم تطفح بذكر اللطف الإلهي بعباده عندما أرسل لهم رسلاً ونصب لهم حججاً بعد نبيّه الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) يقربونهم من التكليف من خلال إرشاداتهم ونصائحهم وأوامرهم وزواجرهم.
  وإليكم بعض ما جاء عن إمامنا المعظم الصادق عليه السلام في احتجاجه على الزنديق الذي نفى فضل الأنبياء وأوصيائهم على الناس، فقد جاء عنه عليه السلام أن زنديقاً سأله عن مسائل كثيرة :
  قال الزنديق : كيف يعبد الله الخلق ولم يروه ؟ قال ( عليه السلام ) : رأته القلوب بنور الايمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان ، وأبصرته الابصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها ، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته ، قال : أليس هو قادرا أن يظهر لهم حتى يروه ويعرفوه فيعبد
على يقين ؟ قال : ليس للمحال جواب ، قال : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟  قال ( عليه السلام ) : إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد : من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علمٌ يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته .
  ثم قال ( عليه السلام ) بعد ذلك : نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة ، ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء ، ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء ، وذلك أن الله تعالى شرع لبني آدم طريقا منيراً ، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيباً ، أخرج منه الأنبياء والرسل ، هم صفوة الله ، وخلص الجوهر ، طهروا في الأصلاب ، وحفظوا في الأرحام ، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم ، لان الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه فمن كان خازن علم الله وأمين غيبه ومستودع سره وحجته على خلقه وترجمانه ولسانه لا يكون إلا بهذه الصفة ، فالحجة لا يكون إلا من نسلهم يقوم مقام النبي في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول ، إن جحده الناس سكت ، وكان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه ، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس ، إن هم أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل ، وذهب الاختلاف والتشاجر ، واستوى الأمر ، وأبان الدين ، وغلب على الشك اليقين ، ولا يكاد أن يقر الناس به أو يحقوا له بعد فقد الرسول ، وما مضى رسول و لا نبي قط لم يختلف أمته من بعده ، وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة وتركهم إياه قال : فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة ؟ قال : قد يقتدى به ويخرج عنه الشئ بعد الشئ مما فيه منفعة الخلق وصلاحهم ، فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم ، وإن زادوا فيه أخبرهم ، وإن نقصوا منه شيئا أفادهم...".  
    الخبر طويل اقتطفنا منه موضع الشاهد وهو الحاجة إلى الأنبياء والأوصياء عليهم السلام؛ فهل يعقل بحكمة العقول والقلوب الطيبة أن تكون مسيرة الأنبياء مكللة بوجود أوصياء بعد رحيل كلّ نبيّ من هذه الدنيا ــــ بالرغم من عدم وجود مغريات كثيرة كما هو الحال في عصر النبي إلى يوم القيامة لا سيما في عصر الحداثة والتطور الذي غلب عليه الإلحاد والزندقة والفواحش العظيمة والمسائل المستحدثة التي تعد بالملايين ولا جواب عليها عند الفقهاء مهما عصروا أفكارهم ـــ ، ولا يكون ذلك بعد رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله الذي تعتبر شريعته أفضل الشرائع وأكمل الديانات على وجه البسيطة ولا يترك أوصياء بعد موته إلى يوم القيامة..؟!!.
  إن مقتضى اللطف الإلهي أن ينصب حججاً معصومين يحلون محلَّ النبيِّ الأعظم أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله) أسوة بغيرهم من الأمم السابقة التي لم يخلو عصر منهم من وجود وصي بعد وفاة النبي بعده، وإلا فإن تنصيب أوصياء في كل عصور الأنبياء دون عصر النبي وما بعده يكون خلاف العدل والإنصاف والحكمة وحاشا لله تعالى أن يترك الناس بلا أوصياء بعد وفاة النبي الأعظم ولا يخلف على أمته إلى يوم القيامة من دون تنصيب أوصياء يقومون بنفس الدور الذي كان يقوم به أوصياء الأنبياء الماضين قبل بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله.!! فمن يعتقد بعدم وجود حاجة للأوصياء بعد رحيل نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله فهو: إمَّا جاهل بمقام التوحيد الربوبي وجاهل بمقام نبوة النبي الأعظم وحكمته وتعقله للأمور؛ وإمَّا أنه معاند ومكابر على الحق والحقيقة والصواب لأجل أعمدة السقيفة...!! فمع أي خيار أنتم أيها المخالفون..!!
(الوجه الثاني):إن الناصبي الكنود ــ صاحب الدعوى المزيفة ــ لم يفهم مراد وقصد الشيعة من قاعدة اللطف التي اعتمدها الامامية، لقد توهم أن قاعدة اللطف تقلب الموازين التكوينية بعامة مصاديقها الطبيعية إلى موازين مثالية ملائكية لا علاقة للمادة في وجودها الاعتباري المادي..! 
   وهي دعوى مجافية للحقائق القرآنية والواقع الإثباتي والثبوتي من إرسال الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى لإلقاء الحجة على الخلق، ولو شاء الله تبارك وتعالى أن يجبر الناس على الإيمان وتلقي المعارف لكان أرسلهم بصور الملائكة لا بصور البشر، فلا يمسهم السوء ولا ينالهم الخلق بمكروه، وهو ما أشارت إليه الآيتان الثامنة والتاسعة من سورة الأنعام قوله تعالى ( وقالوا لولا أُنزل عليه ملك، ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون، ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون)؛ أي لو أراد الله تبارك شأنه أن يلقي معارفه بقدرته العجيبة الخارقة، لكان أرسل إلى الخلق رسلاً من الملائكة أقوياء لا تنالهم يد الخلق بسوء، فيؤمنون بالقوة من دون اختيار، والإيمان بغير اختيار غير مراد لله تعالى، بل أراد من الخلق أن يؤمنوا باختيارهم فامتحنهم بتكاليف عبادية لا يفقهون كنهها إلا بواسطة المصطفين من خلقه وهم الأنبياء والأولياء عليهم السلام، فأرسل إليهم رجالاً من نفس طينتهم يأمرونهم بالطاعات وينهونهم عن المعاصي والأخطاء، فيؤمن من شاء الإيمان باختياره من دون لجوء إلى قوة خارقة، ويكفر من شاء الكفر بالاختيار...ولو أراد أن يرسل ملكاً لألقى عليه مثال الرجل أو لجعله رجلاً كبقية الرجال ولكنه مهاب بقوته وبطشه.. من هنا استشهد مولانا أمير المؤمنين الإمام الأعظم عليّ بن أبي طالب (سلام الله عليهما) بكلامه حول خلقة آدم من الطين وليس من النور بقوله الشريف:" ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه ، ويبهر العقول رواؤه ، وطيب يأخذ الأنفاس عرفه لفعل . ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة ، ولخفت البلوى فيه على الملائكة، ولكنَّ الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ونفيا للاستكبار عنهم ، وإبعادا للخيلاء منهم ".
  فقد نطق الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه) بالحجة القاطعة من حيث إن الله تبارك شأنه خلق آدم من الطين يتوارى عنه النور الخفي في باطنه ـــ باعتباره أفضل من الملائكة التي تبهر الخلق بنورها ـــ ذلك كلّه لأجل الامتحان والاختبار وليس لاستعراض القوة الربانية وقهر خلقه على تلقي المعارف بواسطة ملائكة تبهر صورهم عامةَ خلقه، ولكنه لم يفعل ذلك لأجل النكتة العلمية التي أشار إليها مولى المتقين مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه وآله) أي أرسل أنبياء رجالاً بشراً، ولم يرسل لهم ملَكاً  لا يمكن لحواسهم الضيقة أن تراه على حقيقته النورانية، بل لأن الملك من جنس الهواء شفاف لا تراه العيون على حدّ تعبير مولانا الإمام الحسن العسكري (سلام الله عليه) الذي نقل لنا عليه السلام حواراً جرى بين رسول الله وبين المشركين الذين أشكلوا على جده النبي محمدٍ (صلى الله عليه وآله) بقولهم: (قالوا لولا أُنزل عليه ملك..) فقال في حديث طويل اقتطفنا منه ما يلي:"... فالملك لا تشاهده حواسكم لأنه من جنس هذا الهواء لا عيان منه (أي: لا يُشاهد بالعيون على حقيقته النورية)، ولو شاهدتموه بأن يزاد في قوى أبصاركم لقلتم ليس هذا ملكاً بل هذا بشرٌ لأنه إنما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتعرفوا به مقالته وتعرفوا خطابه ومراده، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حقٌّ بل إنما يبعث الله بشراً وأظهر على يده المعجزات التي في طبايع البشر الذين قد علمتم ضماير قلوبهم فتعلمون بعجزكم عما جاء به أنه معجزة وأن ذلك شهادة من الله بالصدق له، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر لم تكن في ذلك ما يدلكم أن ذلك ليس في طبايع ساير أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزاً...!!". راجع: تفسير نور الثقلين ج1 ص 704 ح 23 سورة الأنعام الآيتان الثامنة والتاسعة نقلاً عن الاحتجاج للمحدِّث الطبرسي.
     الآيتان المباركتان والحديث الشريف المتقدم أعظم إجابة على دفع ما نفثه ذاك الناصبي الكنود (خفضه الله)، فهؤلاء النواصب اليوم هم مشركو العصر الحديث، يشكلون علينا كما أشكل آباؤهم وأجدادهم من مشركي العرب وقريش على رسول الله وأهل بيته الطاهرين (سلام الله عليهم) !!.
  (الوجه الثالث): إن الإمامة عندنا نحن الشيعة واجبة عقلاً ونقلاً، لأنها لطف، وكلُّ لطفٍ واجبٌ، فالإمامة واجبة.
   فهنا لدينا: صغرى وكبرى منطقيتين ونتيجة. 
      أما بيان الصغرى: فواضح من حيث إننا نعلم بالضرورة العقلية والعرفية أن الناس متى كان لهم رئيس صالح يردعهم عن المعاصي ويحرضهم على فعل الطاعة، فإن الناس يصيرون إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد، فهذا حال الرؤساء العاديين، فكيف بكم إذا كان الرئيس هو الإمام عليه السلام المطهَّر من الذنوب والمنزَّه من العيوب، فإصلاحه والإنقياد إليه يكون أقرب إلى الله تعالى من غيره، ففائدته أتم وأكمل، بل لا يقاس به أحدٌ من الرؤساء، وهذا الرئيس هو الإمام المعصوم عليه السلام وذلك هو معنى اللطف.
       وأما بيان الكبرى: فإنها واضحة البيان من حيث إن كلَّ ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية يكون واجباً من باب اللطف؛ ونقصد بالكلية هنا الكلية المعنوية التي يهبها الله تعالى للإمام عليه السلام باعتبارها من صلب مهامه المنوطة به كإمامٍ مفترض الطاعة، ولا نعني بالكلية هنا ما ظنه النواصب من أن الله تعالى قد يقلب الماديات من طبيعتها الأولية إلى طبيعة ملكوتية لكي يؤمن الناس به ويهتدون إلى أمره  ونهيه، فلا يقلب الكعبة إلى ياقوت ومرجان كما صوروا في الإشكال الذي ورد في السؤال، فظنوا ــ لعنهم الله وأركسهم في أليم العذاب ــ أنهم أتوا بالفتح المبين في إبطال قاعدة اللطف، فخلطوا بين التكليف المؤدي إلى الاختبار والامتحان وبين قاعدة اللطف المنحصرة بالهداة من الأنبياء والحجج الطاهرين (سلام الله عليهم)، فلا شأن لقاعدة اللطف بالمادة الصماء كالحجارة، بل إن موردها خاص بالرسل والحجج الأطهار (سلام الله عليهم) الذين تعلقت بهم المشيئة الإلهية في أن يكونوا الدعاة إليه والقادة إلى سبيله، فأعطاهم المعاجز والكرامات التي بها يقلبون المادة الصماء إلى حيوان أو إنسان لإلقاء الحجة وبيان المحجة على الخلق لكي لا يقولوا يوم القيامة إنَّا كنّا عن هذا غافلين؛ فما ادَّعاه النواصب من أن اللطف لو كان واجباً لكان الله تعالى جعل الكعبة من الياقوت والمرجان باعتبار أن الياقوت والمرجان يقربان إلى الله تعالى..إلخ واضح البطلان من حيثية أن مورد اللطف إنما هو الرئيس الإمام عليه السلام الذي يتعيَّن نصبه من الله تعالى على المرؤسين، فيتأمل كلّ ذي بصيرة..!! 
  من هنا يُشترط في لطفية الإمام عليه السلام ثلاثة أمور هي ما يلي:
  (الأمر الأول): ما هو واجب عليه تعالى ، وهو خلق الإمام عليه السلام وتمكينه بالقدرة والعلم ، والنصِّ عليه باسمه ، ونصبه ، وهذا قد فعله الله تعالى .
  (الأمر الثاني) : ما هو واجبٌ على الإمام ، وهو تحمُّله الإمامةَ وقبولُها ، وهذا قد فعله الإمام .
  (الأمر الثالث) : ما هو واجبٌ على الرعيّة ، وهو أن ينصروه ويطيعوه ، ويذبّوا عنه ويقبلوا أوامره ، وهذا ما لم يفعله أكثر الرعيّة .
  إن مجموع هذه الأمور هو السبب التامُّ للطفيّة ، وعدم السبب التامّ ليس من الله ولا من الإمام لما قلناه ، فيكون من الرعيّة .
  إن قيل لنا: إنّ الله تعالى قادرٌ على أن يُكَثِّرَ أولياءَه ويحملهم على طاعته ، ويقلّلَ أعداءه ويقهرهم على طاعته ، فحيث لم يفعل كان مُخِلاًّ بالواجب .
  قلنا : لمّا كان فعلُ ذلك مؤدّياً إلى الجبر المنافي للتكليف لم يفعله تعالى ، فقد ظهر أنّ نفس وجود الإمام لطفٌ وتصرُّفه لطفٌ آخر ، وعدم الثاني لا يلزم منه عدم الأوّل، فتكون الإمامة لطفاً مطلقاً ، وهو المطلوب .
   والحاصل: إن اللطف المقيّد بالرسل والأولياء عليهم السلام ـــ لا بالمادة الصرفة الصماء ــ يقرِّب العبد إلى الطاعة ويبعِّده عن المعصية، ومن دونه يختل حال الخلق ، وقد ذكر المتكلمون الشيعة فوائد متعددة تترتب على وجوب نصب الإمام والإمامة من باب اللطف من أهمها: إرشاده إلى الأدلة والمطالب العلمية حول وجود الخالق الصانع تبارك اسمه وتمييز الطيب من الخبيث والانتصاف للمظلوم من الظالم ودفع الشبهات وإقامة الحدود والتعزيرات، وأن الإمام يرشد إلى الحلال والحرام ويكون حافظاً للشريعة من التحريف والتزييف...
  والإمامة بهذا المعنى ــ الذي يعتقده الشيعة الامامية ــ من اللطف الواجب عقلاً ونقلاً، هو مذهب الكعبي وأبي الحسين البصري وجماعة من المعتزلة، بينما ذهب جمهور المعتزلة والأشاعرة إلى وجوبها سمعاً، فدعوى النواصب "أصحاب الشبهة" بأن فرق البكرية لا يقولون بوجوب نصب الإمامة دلالة على ضعف تحصيلهم بمعارف مذاهبهم الباطلة، وبالتالي لا يجوز لهم النقض على الشيعة ببطلان قاعدة اللطف، إذ إن الخلاف بيننا وبينهم إنما هو على وجوب نصب الإمام على الله تعالى، فنحن نعتقد بوجوبها عقلاً وسمعاً، وهم يعتقدون بوجوبها على الله سمعاً ولكن باختيار الناس وليس بالنص والتعيين، وقد أوضحنا وجه الفوارق بيننا وبينهم في تعيين الإمام ونصبه في كتابنا "الفوائد البهية في شرح عقائد الامامية " فليراجع . 
  وتبقى مسألة متفرعة على وجوب نصب الإمام والإمامة لم نستعرضها لضيق الوقت، وهي مشكلة المحاذير التي اصطنعها المخالفون على وجوب نصب الإمامة، وقد تركناها لوقت آخر في حال تمادى النواصب في غيِّهم، فسيكون الردُّ عليهم قاسياً ومحكماً بنسف الأسس التي ابتنت عليها خلافة أبي بكر وعمر وعثمان (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) !!
  (الوجه الرابع): إننا نسأل ذاك الناصبي العمري: ما دامت قاعدةُ اللطف بنظره المنكوس باطلةً وفاسدةً لأن الله تعالى جعل الكعبة ذات أحجار صماء ولم يجعلها من ياقوتة حمراء...!، فلماذا لم ينزل الله تعالى الملاك جبرائيل على عامة المؤمنين..؟! ولماذا لم ينزلهم على الأنبياء بصورة النور المبهر ويراه المؤمنون على حقيقته حينما نزلوا بالتشريع على الرسل..؟! فقد كان الرسل يرون الملاك جبرائيل بصورة البشر لا بصورة الملك الحقيقية، وكان بعض الممحصين من المؤمنين بالله تعالى وبرسول الله محمد وأهل بيته المطهرين (صلى الله عليه وآله) يرون جبرائيل بصورة دحية الكلبي وليس بصورة النور المبهر..؟!!
     فإذا قال الناصبيُّ: إن الله تعالى لم ينزل على الرسل ملائكة بصورهم الشفافة من باب الامتحان والاختبار فقد ثبت مطلوبنا في قاعدة اللطف وفسدت دعواه في نفيها؛ ذلك لأن مورد قاعدة اللطف إنما هو تثبيت النبوة والإمامة في نفوس الناس لاحتياجهم إلى النبي والإمام عليه السلام ولا دخل لها في خصوصيات التكليف ومتعلقاته التكوينية فيتحول الحجر إلى ياقوتة والأنبياء إلى عظماء ذوي قوة وبطش ومهابة، بمعنى أن الله تعالى لا يقلب الصورة الإنسية إلى صورة ملائكية من باب اللطف، لأن ذلك يكون عكس اللطف الذي يراد منه تقريب النفوس للنبوة والإمامة بالختيار لا بالقهر والإجبار، وليس معنى اللطف في الإمامة أن يقلب الله تعالى الماهية البشرية إلى ماهية أخرى كتحويل آدم إلى نور كي يؤمن به أولاده وأحفاده، ولا قلب الكعبة إلى جواهر ودرر، ولا بجعل الأنبياء ملوكاً وزعماء..إلى آخر خزعبلات ذاك المغرور الملعون..!!
    وإذا قال الناصبي: بأن الله تعالى أنزل الملائكة على الرسل بغير صورهم الحقيقية من باب اختلاف التكوين، فقد ثبت أيضاً مطلوب الشيعة في اعتقادهم بوجوب اللطف في النبوة والإمامة، إذ لا داعي لأن ينزلهم بصورتهم الحقيقية لتغاير التكليف ومتعلقه، كما لا داعي لأن يزيد الله سبحانه بقوة أبصار البشر لكي يروا الملائكة على واقعهم النوراني الشفاف، فالنبي ومن كان بمنزلته يريان ــ إذا شاءا ذلك ــ وغيرهما لا يرى، ذلك لأن النبي والولي (عليهما السلام) مسددان بالمعجزة التي تدل على صدق دعواهما بالحجية من عند الله تعالى، والمعجزة هي اللطف المقرّب للطاعة الذي قال به الشيعة، بمعنى أن النبيَّ والوصي عليهما السلام هما لطفٌ مقرّب إلى الطاعة بالاختيار وليس بالإجبار والقهر، والتقريب إلى الطاعة لا يقلب الموضوعات المادية من طبيعتها التكوينية الظاهرية إلى طبائع نورانية محضة، وإن كان التحويل المذكور ممكن في إقامة المعجزة والكرامة اللتين لا يقيمهما المعصوم إلا في حالات نادرة لإلقاء الحجة على الخصم أو لزيادة يقين المرء الذي يستحق الإكرام بالكرامة أو المعجزة... فأين التناقض الذي ادَّعاه ذاك العمري الناصبي يا تُرى..؟!  
  (الوجه الخامس): لم يميّز الناصبي بين اللطف المقرّب للطاعة وبين نفس الطاعة التي هي نفس التكليف الذي يدل عليه اللطف المحصّل، فالتوجه للكعبة هي طاعة لله تعالى قد أرشد إليها الأنبياء والرسل، فهو لطف محصّل، ومن ثمَّ قام من بعدهم الأوصياء والأولياء عليهم السلام بشرح الفوائد المترتبة على التوجه إلى الكعبة وبقية المناسك التي أمر بها الأنبياء سابقاً؛ وفي بعض الأحيان يقوم الأنبياء بشرح بعضها؛ لذا فهم محصلون للتكليف ومقربون إلى الطاعة ، فلا فرق في وجوب اللطف بين كونه محصّلاً وبين كونه مقرّباً، فكلاهما يحتاج إليهما المكلَّف، وصاحب اللطف هو النبي والوليّ (عليهما السلام) إذ لولاهما لما حصل الغرض من التكليف، لأن وجوب اللطف المحصل يستلزم تحصيل الغرض، بينما اللطف المقرّب متمم للغرض الذي هو اللطف المحصّل؛ ومورد البحث في مفهوم اللطف في باب الإمامة الإلهية هو اللطف المقرب لا اللطف المحصل.
  وبعبارةٍ أُخرى: إن مورد بحثنا في اللطف إنما هو في اللطف المقرب ــ أي الإمام عليه السلام الدال على حقيقة التكليف أو الطاعة ـــ لا نفس الطاعة التي دل عليها اللطف المحصّل، إذ إن أكثر التكاليف والطاعات معلوم في الكتاب والسنة بواسطة النبيّ إلا أن شرحها وبيان الغاية منها يحتاج إلى الوليّ المعصوم عليه السلام، وفي بعض الأحيان يكون الولي منصوباً لتأسيس التكليف باللطف المحصّل كما هو الحال عند أئمتنا الطاهرين عليهم السلام حيث أسسوا أحكاماً بأمرٍ من الله ورسوله باعتبارهم مستودعين على الأمانات الشرعية؛ فهم محصّلون للتكليف ومقرّبون له في نفس الوقت.. فالفرق واضح عند ذوي البصائر من العلماء المتبصرين بمعارف العقيدة، حيث إن الأنبياء والأوصياء والأولياء (عليهم السلام) مقربون للطاعة الإلهية من جهة جريان المعاجز والكرامات على أيديهم وبث المعارف والأحكام بين الناس عبر تعريفهم المسالك التي تقرب إلى الله تعالى وتبعد من ساحة الشيطان، ولا يكون ذلك إلا بنصائح وإرشادات وتعاليم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، فعندما جعل الله تعالى الكعبة في أوحش المسالك وأضيق الطرق، وأمر بالطواف حولها مع كونها أحجاراً صماء، وكذلك الطواف حولها والتوجه إليها وبقية مناسك الحج التي لولا النبيّ والحجج الطاهرين (سلام الله عليهم) لما كنا نفقه الغاية من تكليفنا بتقديسها واحترامها والتوجه إليها، فتعليمهم لنا بإرشادنا إلى وجه الحكمة من هذه المناسك هو في الواقع لطفٌ مقرب إلى طاعة الله تعالى في الحج ومناسكه المبهمة...فتعليم النبيّ وأهل بيته لنا مناسك الحج وأسراره هو اللطف بعينه..فوقوع الحج من المكلف ممكن من دون اللطف المقرِّب إلا أن وقوعه مع اللطف يكون الحج ومناسكه أقرب إلى الوقوع بعد إمكانه الصرف، إذ يمكن للمكلف أن يأتي بالحج من دون معرفة أسراره وحكمه وفلسفته إلا أنه مع اللطف والإرشادات والتعريف به وبأسراره يكون أقرب إلى تحققه بمعرفة كاملة لحقيقة الحج وأسراره العميقة، من هنا اشترط المتكلمون من علماء الإمامية ثلاثة شروط أو قيود في مفهوم اللطف المقرّب إلى الطاعة هي ما يلي:
1ـــ أن يكون اللطف مقرباً للطاعة ومبعداً عن المعصية.
2ــــ أن لا يستوجب اللطف حصول التمكين.
3ـــ أن لا يستوجب اللطف الإلجاء والإكراه. 
أمَّا القيد الأول: فقد استفضنا في شرحه؛ وأما القيد الثاني: فهو أن يكون المكلّف بدون اللطف متمكّناً من فعل الطاعة وترك المعصية، وبهذا القيد تخرج القدرة والآلات التي يتمكّن بها من إيقاع الفعل، فإنّ هذه جميعها لها حظٌ في التمكين إذ بدونها لا يمكن إيقاع الفعل، والمراد من الآلة هي المقدمة التي يتوقف عليها حصول الواجب كالسفر إلى الحج، فإن السفر مقدمة لحصول الواجب وهو الحج، فالسفر لا يسمّى لطفاً لأنّ له حظاً في تمكين المكلّف من الحج، إذ لولا السفر لما أمكن تحقق الحج خارجاً، وهذا بعكس اللطف إذ من دونه يمكن للمكلّف أن يأتي بالتكليف كما أشرنا إلى توضيحه في شرح القيد الأول.
وبعبارة أخرى: إن وقوع الفعل الملطوف فيه بدون اللطف ممكنٌ، لكنَّ الفعل مع اللطف يكون الفعل إلى الوقوع أقرب بعد إمكانه الصرف.
أما القيد الثالث:وهو شرط عدم استيجاب اللطف للإلجاء والقهر، أنّ الإلجاء ينافي التكليف، فيكون اللطف أيضاً منافياً له، لأنّ التكليف عبارة عن إتيان المكلّف للفعل أو الترك له على سبيل الاختيار مع تمكنه من الأمرين، فالتكليف أخصّ من اللطف، ذلك لأنّ اللطف أمرٌ زائد على التكليف، فالمكلّف من دون اللطف بكلا شقيه يمكنه الإطاعة وعدمها بحسب ما يراه طاعة كما يفعل الصوفيون وعبدة الأوثان والبقر والنار، فإنهم يعبدون الله سبحانه بحسب طبعهم من دون الاستعانة بالأنبياء والأوصياء الدالين على كيفية العبادة والطاعة؛ إذ إن الله تعالى كلّفهم بتكاليف معينة عبر الأنبياء والأوصياء ولم يكلفهم أن يطيعوه كيفما شاؤوا ورأوا؛ فمن تعذّر عليه التكليف بسبب فقدان العقل والبعد عن المدنية التي يتواجد فيها الأنبياء والأوصياء لا يمكنه الحصول على اللطف المقرب، وذلك لأن اللطف المقرب أمرٌ زائد على التكليف؛ وهذا بخلاف التكليف فإنه إذا وجِدَ ـ بعد رفع الموانع عن المكلَّف ــ يتمكن ساعتئذٍ المكلّف من الإطاعة بواسطة اللطف المحصّل من إرسال الرسل ونصب الحجج الطاهرين عليهم السلام، ومن دون التكليف بواسطة اللطف المحصل لا يمكنه الإطاعة، لأن امتثال التكليف فرع وجوده، لذا لا يؤآخذ الجاهل بالحكم قصوراً أو كان التكليف غير منجَّزٍ في حقه.
وهناك توضيح آخر للفرق بين التكليف واللطف هو:
إنّ التكليف إذا تحقق فقد تنجز بحقِّ المكلَّف، فالعبد يمكن أن يطيع أو لا يطيع، وبدون التكليف لا يتمكن من الإطاعة، لأن مناط الامتثال وعدمه هو وجود التكليف سواء كان مع اللطف أو لا، وأما اللطف فلا بد أن تناط به الطاعة وعدمها من حيثية الاعتقاد بالإمام والإمامة، فمن الممكن أن يتمكن العبد منها بدونه، لكن طاعته ناقصة بحاجة إلى مكمّل للثواب والقبول، فيكون التكليف مع اللطف مقرِّباً إلى الامتثال كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، فمن دون وضوء لا يجوز الدخول في الصلاة؛ ومن هذا القبيل التكليف بالطاعة مشروط بالاعتقاد بولاية أهل البيت عليهم السلام، فمن لم يعتقد بولايتهم فإن طاعته لله تعالى غير مقبوله عنده تعالى. 
  إن اللطف المحصّل للطاعة يستلزم إرسال الرسل ونصب الحجج عليهم السلام لتعليم المكلَّفين عبادة ربّهم وما يرضيه عما يسخطه، فمن دون اللطف المحصِّل للطاعة لا يمكن تكليف الفرد بعبادة معينة، لأن التكليف بطاعة معينة فرع نزول الأنبياء ونصب الحجج الطاهرين عليهم السلام، ولا يصح تكليفهم بنزول ملائكة على المكلَّفين من دون رسل وحجج وإلا لتعدد نزول الملائكة على الخلق بعدد النفوس والأقوام، ولقالوا لهم ما قصه لنا الإمام الحسن العسكري عليه السلام عن جده في محاورته للمشركين الذين قالوا له "لولا أنزل عليه ملك" .
وبما تقدم يتضح: أن اللطف واجب عند الله تعالى لأجل تحصيل الغرض من العبادة والتعريف بها، وذلك لأن الإنسان مخلوق غريب الأطوار، معقد التركيب في تكوينه وفي طبيعته وفي نفسيته وفي عقله، وقد اجتمعت فيه نوازع الفساد من جهة، وبواعث الخير والصلاح من جهة أخرى؛ فمن جهة قد جبل على العواطف والغرائز من حب النفس والهوى والأثرة وإطاعة الشهوات، وفطر على حبّ التغلب والإستطالة والإستيلاء على ما سواه، والتكالب على الحياة الدنيا وزخارفها ومتاعها كما قال الله  تعالى: ]إنّ الإنسان لفي خسر[ و ]كلاّ إنّ الإنسان ليطغى، أنْ رآه استغنى[ و]إنّ النفس لأمّارة بالسّوء[ إلى غيرها من الآيات المصرِّحة والمشيرة إلى ما جبلت عليه النفس الإنسانية من العواطف والشهوات.
ومن جهة ثانية، خلق الله تعالى فيه عقلاً هادياً يرشده إلى الصلاح وموطن الخير، وضميراً وازعاً يردعه عن المنكرات والظلم ويؤنبه على فعلِ ما هو قبيح ومذموم ولا يزال الخصام الداخلي في النفس الإنسانية مستعراً بين العاطفة والعقل، فمن يتغلّب عقله على عاطفته كان من الأعلين مقاماً، والراشدين في إنسانيتهم، والكاملين في روحانيتهم، ومن تقهره عاطفته كان من الأخسرين منزلة والمتردين إنسانية.
وأشد هذين المتخاصمين مراساً على النفس هي العاطفة وجنودها فلذلك تجد أكثر الناس منغمسين في الضلالة ومبتعدين عن الهداية، بإطاعة الشهوات وتلبية نداء العواطف " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ". على أن الإنسان لقصوره وعدم اطّلاعه على جميع الحقائق وأسرار الأشياء المحيطة به والمنبثقة من نفسه، لا يستطيع أن يعرف بنفسه كل ما يضره وينفعه، ولا كل ما يسعده ويشقيه، لا فيما يتعلق بخاصة نفسه، ولا فيما يتعلق بالنوع الإنساني ومجتمعه ومحيطه، بل لا يزال جاهلاً بنفسه، ويزيد جهلاً أو إدراكاً لجهله بنفسه، كلما تقدم العلم عنده بالأشياء الطبيعية والكائنات الماديّة.
وعلى هذا الأساس، فالإنسان في أشدّ الحاجة ليبلغ درجات السعادة إلى من ينصب له الطريق اللاحب والنهج الواضح إلى الرشاد واتباع الهدى، لتقوى بذلك جنود العقل حتى يتمكن من التغلب على خصمه اللدود اللجوج عندما يهيىء الإنسان نفسه لدخول المعركة الفاصلة بين العقل والعاطفة، وأكثر ما تشتد حاجته إلى من يأخذ بيده إلى الخير والصلاح عندما تخادعه العاطفة وتراوغه ــ وكثيراً ما تفعل ــ فتزين له أعماله وتحسِّن لنفسه انحرافاتها، إذ تريه ما هو حسن قبيحاً أو ما هو قبيح حسناً، وتلبِّس على العقل طريقه إلى الصلاح والسعادة والنعيم، في وقت ليس له تلك المعرفة التي تميّز له كل ما هو حسن ونافع، وكل ما هو قبيح وضارّ، وكل واحد منا صريع لهذه المعركة من حيث يدري ولا يدري إلاّ من عصمه الله.
ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف، فضلاً عن الوحشي الجاهل، أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع ما ينفعه ويضرّه في دنياه وآخرته فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه ممّن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام ــ بالاشتراك معهم ــ المؤتمرات والمجالس والاستشارات.
فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفاً بهم ] رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة[، وينذرهم عما فيه فسادهم ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.
إنما كان اللطف من الله تعالى واجباً، فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق وهو اللطيف بعباده الجواد الكريم، فإذا كان المحلّ قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لا بدّ أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه.
وليس معنى الوجوب هنا أن أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيع... تعالى عن ذلك علواً كبيراً، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود «أي اللزوم واستحالة الانفكاك».
وبناءً على ما أشرنا إليه: يتضح فساد دعوى الناصبي ببطلان قاعدة اللطف التي نعتقد بها نحن الشيعة ووافقنا عليه بعض المعتزلة، ولو أنه تدبر في مفهوم اللطف لما وقع في ضيق الخناق فصار يميل يميناً وشمالاً كالسكران لا يهتدي سواء السبيل ولا يعرف جادة الطريق..! 
إن حقد المخالفين على الشيعة جعلهم في حالة الرفض الدائم لكل شيء يعتقده الشيعة، فلا اللطف يعجبهم ولا الإمامة تعجبهم ولا العصمة تعجبهم ولا الكرامات والمعاجز تستهويهم ولا ظلامات أهل البيت ترضيهم...! فماذا يعجبكم في الشيعة..؟! لا شيء على الإطلاق..!! نعم يعجبهم فينا إذا اعتقدنا ــ والعياذ بالله تعالى ــ بإمامة أبي بكر وعمر وما جاؤوا به من ضلالات وبدع وكفريات ..! ويعجبهم من علماء الشيعة كل من اعتقد بما اعتقدوا ونهجوا وإلا فإن كل من يرفض معتقداتهم من علماء الشيعة أفتوا بكفره وزندقته (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ).
   وفي الختام: نجيب على سؤال الناصبي الذي خيَّر الشيعة بأحد خيارين: إما الإلتزام بكلام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) برفضه لقاعدة اللطف؛ وإما بتخطئته عليه السلام، فنقول لهم: إننا نلتزم بكلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي أثبت لشيعته قاعدة اللطف بنفس الخطبة وبروايات أخرى أيضاً، ولم ينفِ أمير المؤمنين عليه السلام القاعدة المذكورة  في خطبته القاصعة ـــ كما ادعاه النواصب ـــ بل إن كلامه في الخطبة يدور حول مسألة الابتلاء بالتكليف ونفي التكبر والأمر بالتواضع والزهد والصبر على البلايا والمصائب ومجاهدة النفس والشيطان، فلم يكن كلامه الشريف في مقام بيان نفي قاعدة اللطف التي هي مورد رفض المخالفين لها في مبحث الامامة..!! بل الخطبة رد على المخالفين المستكبرين على الله تعالى برفض النصوص الدالة على الإمامة، وهو ما تضمنته الخطبة الذامة لإبليس لأنه رفض السجود للنبي آدم عليه السلام وأنه أول من أظهر العصبية وتحذير الناس من سلوك طريقه، وأين هذا من دعوى رفضه للطف النبوة والإمامة أيها العقلاء..!!!
    نقول للمخالفين: قبل أن تعيبوا على عقائد وفقه الشيعة ــ حسب تلفيقكم بوجود معايب في ديننا الحنيف ــ عليكم أن تعيبوا على عقائدكم الفاسدة وأحكامكم الزائفة، فإن مصادركم مشحونة بعقائد اليهود والنصارى بدءً من رؤية الله يوم القيامة كالبدر في ليلة تمامه..انتهاءً بمنكرات خلفائكم وظلمهم وبدعهم التي لو شئنا استعراضها لاحتجنا إلى عشرات المجلدات الكاشفة عن زيف مذاهبكم الفقهية ومعتقداتكم الفكرية..وقد كشفنا عن بعضها في كتابنا القيِّم (الفوائد البهيَّة في شرح عقائد الامامية) وهو كتاب قد حطم زيف معالمكم الفكرية والفقهية لا سيَّما تحطيمه لأسطورة مشايخكم من أعمدة السقيفة..! وكذلك كشفنا عوراتكم في كتابنا" علم اليقين في تنزيه سيّد المرسلين عن العبوس" وكتابنا" خيانة عائشة بين الاستحالة والواقع" فصل رضاع عائشة؛ وكتابنا الرابع" أبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد".
 لقد ظهر الصبح لذي عينين بما كتبنا رداً على المعترض على قاعدة اللطف، وما كتبناه سيكون القاصم لظهورهم، وإن كنا نعتقد أنهم سيسفِّهون ما قلنا لأنهم لا يؤمنون ولو جئناهم بألف آية ودليل، فإنهم كفرة بما نعتقد ونؤمن به من عقائد مصدرها آل محمد عليهم السلام، ونحن لن نترك الساحة الشيعية يسرحون ويمرحون عليها من دون حساب ولا عقاب فكري بعون الله تعالى وتوفيق الحجج عليهم السلام (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً). ونحن لكم بالمرصاد يا عبدة الجبت والطاغوت..! والسلام على من اتبع الهدى والعاقبة للمتقين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
 
حررها العبد الفقير محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 14 ربيع الثاني 1438 هجري
 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/01/22   ||   القرّاء : 8996




أحدث البيانات والإعلانات :



 لقد ألغى سماحة لمرجع الديني الكبير فقيه عصره آية الله الحجّة الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي ( دام ظلّه الوارف ) كلّ الإجازات التي منحها للعلماء..

 الرد الإجمالي على الشيخ حسن المصري..

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1443 هجري / 2022 ميلادي

 الرد الفوري على الشيخ البصري

 إحتفال الشيعة في رأس السنة الميلاديّة حرام شرعاً

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1441 هجري / 2020 ميلادي

 بيان هام صادر عن المرجع الديني آية الله الشيخ محمّد جميل حمُّود العاملي

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 يحرم حبس الطيور والحيوانات بغير حقٍّ..

 المرض هو من مسوغات الإفطار في شهر رمضان..

 ما حكم المادة الدهنية التي تفرزها الأُذن في صحة الغسل..؟

 تجب على المسافر زكاة الفطرة

 على من تجب زكاة الفطرة...؟

 كيف نقتدي بالإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلَّى الله عليه وآله في يوم شهادته المقدَّسة..؟..

 هل كان أمير المؤمنين عليٌّ صلّى الله عليه وآله موجوداً مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الإسراء والمعراج..؟

ملفات عشوائية :



 تاريخ شهادة الصدّيقة الطاهرة السيّدة فاطمة عليها السلام

 دعاء الندبة بصوت الحاج محسن فرهمند

 الرب في اللغة أعم من الإله

 يكره السكن في الدار التي إرتفاعها أكثر من سبعة أذرع

 يستحب الدعاء للإمام المعظم المهدي المنتظر عليه السلام بدعاء الحفظ في الصلاة

 ما معنى قولهم عليهم السلام" وأما الخمس فقد أُبيح لشيعتنا.."

 معنى الضلال في القرآن الكريم

جديد الصوتيات :



 كيف نقتدي بالإمام الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلَّى الله عليه وآله في يوم شهادته المقدَّسة..؟..

 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 محطات في سيرة الإمام محمّد الجواد عليه السلام - 26تموز2007

 محاضرة حول الصدقة (حديث المنزلة..وكل الانبياء أوصوا الى من يخلفهم..)

 السيرة التحليليّة للإمام علي الهادي عليه السلام وبعض معاجزه

 لماذا لم يعاجل الإمام المهدي (عليه السلام) بعقاب الظالمين

 المحاضرة رقم ٢:( الرد على من شكك بقضية إقتحام عمر بن الخطاب لدار سيّدة الطهر والقداسة الصديقة الكبرى فاطمة صلى الله عليها)

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 11

  • الأقسام الفرعية : 36

  • عدد المواضيع : 2201

  • التصفحات : 19392313

  • المتواجدون الآن : 1

  • التاريخ : 19/04/2024 - 17:51

||   Web Site : www.aletra.org   ||   
 

 Designed, Programmed & Hosted by : King 4 Host . Net