المنهج التفكيكي وإخلاله بالمنهج الفقهي
الإسم: *****
النص: شيخنا؛ قرأنا إحدى أجوبتكم حول المدرسة التفكيكية وطبعاً لم يبين في السؤال المقصود من المدرسة التفكيكة. وسؤالنا هو عن المدرسة التفكيكة وهي حركة فكرية أسسها الميرزا مهدي الأصفهاني في مدينة مشهد المقدسة وتقوم على التفكيك بين المنهج الفلسفي عن المنهج الديني في فهم نصوص الكتاب والسنة، وكذلك فصل أدوات المنهج الديني في فهم النصوص عن المنهج العرفاني الكشفي. بإيجاز إن المدرسة التفكيكية تقول أنه لا يمكن فهم النصوص الدينية وتفسيرها بالعقل الفلسفي و ما يسمى الكشف العرفاني.
أفيدونا برأيكم آجركم الله
الموضوع: المنهج التفكيكي وإخلاله بالمنهج الفقهي.
بسمه تعالى
السلام عليكم
الكلام حول تفكيك المنهج الفلسفي أو العقلي عن المنهج الديني الفقهي هو الحق الذي لا ريب فيه وذلك لأن قضايا الفقه لا يمكن تعليلها وإستنباطها بالعقل الفلسفي باعتبارها قضايا تعبدية تتوقف على إذن الشارع المقدس، من هنا أُطلق عليه مصطلح " القضايا الشرعية التوقيفية" أي الأمر الذي يتوقف على إذن المشرّع الحكيم ولا يجوز لغيره أن يحلل ويحرم من دون إذنه تعالى وطبقاً للكتاب والسنّة، نعم ثمة دور للعقل في بعض المسائل الفرعية التي تلعب دوراً في تقبيح العقاب بلا بيان واصل من المشرع الحكيم تبارك وتعالى، ومسألة قبح العقاب بلا بيان المسماة بالبراءة العقلية مرتبطة إرتباطاً عضوياً بالبراءة الشرعية المستنبطة من الآيات والأخبار، والعقل هنا دوره الكشف عن فهم النصوص الدينية وليس تشريعها من دون نصوص شرعية بل إن دور العقل في المسائل الفرعية الفقهية هو إستنباط الحكم الشرعي من مصادره الشرعية وليس دروه إختراع الحكم الشرعي، كما أن المسائل الفلسفية بعيدة كل البعد عن المسائل الفقهية لأن مجال أو مورد الفلسفة هو تحكيم العقل في معرفة الموضوعات الدالة على معرفة الله وبقية العقائد والأصول الكبرى ولا دخل لها في إستنباط الأحكام الشرعية من مظان العقل للنكتة التي أشرنا إليها بأن موضوعات المسائل الفقهية هو النصوص الشرعية التي يستنبط الفقيه منها الحكم الشرعي فيكون دوره دور الكاشف للحكم الشرعي من مصدره وليس مخترعاً له ... ففصل المسائل الفلسفية عن المسائل الدينية ـــ وعلى وجه التحديد المسائل الفرعية الفقهية ـــ هو ما يعتقد به مشهور الإمامية لا سيّما المتقدمون منهم، كما أنه يجب فصل المنهج الفلسفي عن منهج أصول الفقه المتداول تدريسه ومدارسته في حوزاتنا الدينية لما فيه من مفاسد كبرى على الصعيد التطبيقي والعقدي في نفوس طلبة العلوم الدينية الذين تأثروا بالمنهج الفلسفي في كل شيء حتى في المسائل الفرعية، من هنا نلاحظ الخلل الواضح في إستنباطات كثيرة من قبل علماء سنحت لهم الظروف أن يتسنموا عرش المرجعية والإفتاء، فأفتوا فتاوى على موازين القياس والإستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والغاية تبرر الوسيلة وغيرها من قواعد فلسفية عقلية منشؤها أقيسة العامة وطرق إستدلالهم المخالف للمنهج الإمامي... ويرجع الأمر في خللهم هو التأثر بالمنهج الفلسفي الدراسي لكتب أصول الفقه،وقد جاء في الأخبار الشريفة النهي عن العمل بالقياس والإستحسان وغيرها من قواعد الفلسفة التطبيقية في المسائل الفرعية كما أن الأخبار ذمت العاملين بها وأوعدت بعقابهم ودلت على أن من علائم خروج الإمام بقية الله القائم أرواحنا فداه بأن علماء الشيعة في آخر الزمان يميلون إلى التصوف والفلسفة في المجالات الفقهية المحضة، والمراد من ميلهم إلى التصوف هو الميل إلى المنهج السني في إستنباط الحكم الشرعي كالميل إلى قواعد علماء العامة التي أشرنا إليها آنفاً.... أعاذنا الله تعالى من زلات اللسان وشطحات الاقلام بمحمد وآله الأطهار عليهم السلام... والسلام عليكم.
العبد الفقير محمد جميل حمود العاملي ــ بيروت بتاريخ 22 ربيع الثاني 1433هــ.