ما الحكمة من طواف المصلين حول جسد رسول الله صلّى الله عليه وآله حال الصلاة عليه وكذلك الحكمة من وقوف أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليه وآله في وسط المصلين...؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة المرجع الديني الفقيه آية الله المحقق المدقق الكبير العارف بحديث أهل بيت العصمة الطهارة عليهم السلام شيخنا ومولانا الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله الشريف..
بعد السلام والدعاء إلى جنابكم المبارك شيخنا ومولانا روحي فداك الأستاذ المعظم دام ظلكم الشريف:
هذه الرواية والحديث الشريف عظيم جداً لم يلتفت إليه أحد من الشراح بنظرة معرفية هي مسألة: (طواف المسلمين حول جثمان النبي صلى الله عليه وآله كصلاة عليه ووقوف أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وسطهم) حيث روى المحدث الكليني في الكافي ج1 ص 450 - باب مولد النبي ووفاته ص: 35- عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ كَيْفَ كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله قَالَ: لَمَّا غَسَّلَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَكَفَّنَهُ سَجَّاهُ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ عَشَرَةً فَدَارُوا حَوْلَهُ ثُمَّ وَقَفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي وَسَطِهِمْ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فَيَقُولُ الْقَوْمُ كَمَا يَقُولُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ- أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَ أَهْلُ الْعَوَالِي ).
جملة:(فداروا حوله) مفردة عظيمة يعني طوفان حول جسد وجسم المعظم الوجود المقدس لرسول الله صلى الله عليه وآله..
أرجو بيان هذا الحديث الشريف بقلمكم الشريف
العبد الفقير
حسين ال حمدي
النجف الاشرف
******
الموضوع العقائدي:( ما الحكمة من طواف المصلين حول جسد رسول الله صلّى الله عليه وآله حال الصلاة عليه وكذلك الحكمة من وقوف أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليه وآله في وسط المصلين...؟)
بسم الله جلّت عظمته
وعليكم السلام والرحمة
الجواب: إن فلسفة دوران أو طواف المصلّين حول جسد رسول الله صلى الله عليه وآله للتدليل على أمور غاية في الأهمية نذكر بعضاً منها على وجه الإجمال هي الآتية:
(الوجه الاول): إن طوافهم حول جسده الشريف للتأكيد على أنه أفضل من الكعبة التي أمرهم الله تعالى بالطواف حولها...فكما أن الله تعالى أمرهم بالطواف حول الكعبة وهي غرفة ذات أربعة أركان ، فكذلك أمرهم عزّ وجلّ بالطواف حول رسوله الكريم صلّى الله عليه وآله بنفس المِلاك والمناط على أقل تقدر بل هو صلوات ربي عليه وآله أشرف وأفضل من الكعبة بملايين المرات؛ والأشرفية ههنا بما هي كعبة مبنية من أحجار بما هي أحجار بالحمل الذاتي الأوّلي وليس بالحمل العرضي...
(الأمر الثاني): علّة الطواف حول جسده الشريف لتنبيههم على أن طوافهم حول جسده الشريف يعرج بهم الى عوالم الملكوت، كعروجهم نحو الملكوت عند طوافهم حول الكعبة،فالطوافان هما بمِلاكٍ واحد تقريباً مع فوارق متعددة فريدة، فتدلف عليهم أنوار الله تعالى وتكساهم الرحمة الربانية لإرتباطهم بالنبيّ والولي عليهما آلاف التحية والسلام..والملفت للإنتباه أن أمير المؤمنين عليَّاً سيّدنا الإمام الاعظم صلّى الله عليه وآله قد صلّى عليه ولم يكن أحدٌ من المنافقين متواجداً بين المصلّين مما يعني الإعتقاد بأن مَن صلّى عليه هم المؤمنون حقاُ وغيرهم ليسوا بمؤمنين كأعمدة السقيفة وأشياعهم الذين تركوا جنازة النبيّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله للتخطيط في الإستيلاء على السلطة والتفكير في قتل أمير المؤمنين عليّ وزوجته الصدّيقة الكبرى سيّدتنا المطهرة إبنة النبيّ الأعظم محمَّد صلّى الله عليه وآله..
( الأمر الثالث): الطواف حول جسده الشريف لعلو قدره وكمال جماله وجلاله وأنه وأهل بيته الطيبين المطهرين هم مرآةُ صفاتِ الله ووعاء مشيئته وعيبة علمه وخزانه أسراره..
(الأمر الرابع):الملفت للنظر أن أمير المؤمنين عليّاً أرواحنا لنعليه الفداء لم يطف حول جسد النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بل المصلُّون طافوا، ولعلّ السرَّ في ذلك هو أنّه لا يطوف حول نفسه، فرسول الله نفسُ عليّ أمير المؤمنين عليّ صلوات ربي عليهما وآلهما من جهةٍ؛ ولأن رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله كان يطوف حول الكعبة من حيثية أن جوهرها ولايةُ أمير المؤمنين عليّ صلّى الله عليه وآله من جهةٍ أُخرى...فلم يطف أمير المؤمنين عليه السلام حول ولاية نفسه باعتباره لبّ وجوهر الطواف حول الإمامة العلوية والولاية العلوية الفاطمية..تدبروا فإنه دقيق...
(الأمر الخامس): فكما طافوا حول جسده الشريف كنبيٍّ ورسول، وكما أنه طاف في حياته حول الكعبة كعبدٍ لله وكنبيٍّ ورسول فكان طوافه هو طوافٌ حول ولاية أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليهما وآلهما، لذا أراد الله تعالى أن يكشف لهم عن عظمة ولاية أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليه وآله من حيثية عظمة طواف رسول الله حول من طاف حول ولايته جميع الأنبياء والمرسلين..كيف لا ؟وهو إمامهم ومعلّمهم وسيّدهم علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله؛ فرسول الله محمّد صلى الله عليه وآله طاف حول الكعبة لأن عليّاً أمير المؤمنين صلوات ربي عليه وآله ولِدَ فيها، فكان من الحكمة الإلهية أن يطوفوا حول جسد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله تكريماً له وإجلالاً لشخصه الكريم عربوناً للجميل المحمدي والفضل العلوي ...فرسول الله كنبي مرسل ومشرّع هو محور توجه الخلق الى الله تبارك اسمه، ومحور توجه رسول الله هو ولاية أمير المؤمنين عليّ صلى الله عليهما وآلهما..
(الأمر السادس): كان جسد رسول الله النقطة داخل الطواف، ولا طواف إلا بنقطة دائرية وإلّا لكان الطواف طوافاً خاوياً من الحكمة وفارغاً من مغزاه ومحتواه؛ ولمّا كان الطواف الخاوي من النقطة الجوهرية يعتبر طوافاً عبثيّاً فلا بدّ حينئذٍ في الحكمة الإلهية من وجود الجوهرة الملكوتية ليتمّ الطواف والعروج الملكوتي حول تلك الجوهرة المحورية - بشكلٍ واقعي - وهي الحقيقة المحمدية التي تفردت بالجوهرة العلوية الفاطمية...عليٌّ الإمام الأعظم والوليّ الفريد والآية الكبرى( ليس ثمة آية أكبر مني) يستحق أن يطوف حولَ ولايته الكاملون من البشر وعلى رأسهم رسول الله الأعظم محمد صلّى الله عليه وآله..لذا قام أمير المؤمنين علي صلوات ربي عليه وآله ليقف في وسط المصلين ليلفت نظر العارفين بأنه النقطة المحورية للصلاة مع المصلين حيث وقف في وسطهم ليقول لهم أنا لبُّ الحقيقة وجوهر الطريقة وكمال العرفان...فرسول الله طاف حول ولايتي في حياتي وأنتم اليوم تطوفون حولها مرغمين؛ فشئتم أم أبيتم أيها القاصرون عن معرفتي..فأنا الغاية من وجودكم أيها المصلون كما كنت لرسول الله غاية في طوافه ووجوده..فأنا من عُرضَت ولايتي عليه وعلى الأنبياء فقبلوها ونافحوا عنها وذابوا فيها، كلّ واحدٍ منهم بحسب قابلياته وسيره وسلوكه تجاه ولايتي...فحيث إنني النقطة تحت الباء من البسملة، فأنا المعلّم للخلق وأنا المعرّف للعلوم كما تعرّف النقطةُ الحروفَ بعضَها من بعض، ولولا النقطة لما عرف الخلق الفرق بين الباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء..أنا بفضل ربي فاتق العلوم والمعارف ومناهج السير والعرفان والسلوك نحو الملكوت واللاهوت والجبروت..أنا الذي اشتق الله تعالى إسمي من إسمه فهو العلي الأعلى وأنا العليّ الاصغر، فالواجب على عامة المصلين أن ينهلوا مني كيفية السير والسلوك نحو الله تعالى ولكم في رسوله أسوة حسنة..). لن أغوص كثيراً في بحر العليّ المحمدي الفاطمي فلن يتحملني أكثر الخلق ولكنًّ الميسور لا يسقط بالمعسور.. وأقول كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام لكميل لمّا طلب من أمير المؤمنين علي صلوات ربي عليه وآله زيادة المعرفة في الحقيقة الربانية فكفّ عنه الإمام أمير المؤمنين قطب رحى الوجود عليّ روحي لنعله الفداء قائلاً له( إطفئ السراج فقد طلع الصبح) وعبده العاملي يقتدي به فيقول:
يا كميل إطفئ السراج فقد طلع الصبح...
عبد الإمام الأعظم علي بن أبي طالب صلى الله عليه وآله وغريبه واقف على عتبة داره يرجو فضل إحسانه
محمّد جميل حمُّود العاملي/
بيروت/ بتاريخ 12 شوال 1446 هجري قمري