ليس هناك تعارض بين دعوى الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في كفر الخارجين والباغين على أمير المؤمنين مولانا أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام وبين ما صدر من خطب تنفي عنهم حكم الكفر
الإسم: *****
النص:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
مولانا سماحة المرجع الديني الكبير اية الله العلامة المحقق الفقية الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة المرجع دمتم بالعز والهنا
ارفع الى مقامكم العالي السؤال والاستفسار الاتي ونأمل من سماحتكم الاجابة والتوضيح والتوجيه في الفهم
سؤالي حول مايذكره الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه (الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد - في فصل أحكام البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام- ص226 ( ظاهر مذهب الإمامية أنَّ الخارج على أمير المؤمنين عليه السلام والمقاتل له كافر بدليل اجماع الفرقة المحقة على ذلك، واجماعهم حجة لكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ داخلاً فيهم وأن المحاربين له كانوا منكرين لإمامته ودافعين لها ودفع الإمامة عندهم وجحدها كدفع النبوة وجحدها سواء)
واجد عبارات في بعض خطب وكلمات مولانا امير المؤمنين سلام الله عليه في كتاب نهج البلاغة وبعض المصادر الاخرى
يخالف الاجماع الذي ينقله الشيخ الطوسي قدس سره
وهي
بالنسبة لاهل الجمل
1- خطبة رقم ٣٣
من خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة
(مالي وقريش والله لقد قاتلتهم كافرين ولاقاتلنهم مفتونين واني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم ( امير المؤمنين عليه السلام فرق بين قتاله أياهم حينما كانوا في الجاهلية. وبين حالهم يوم الجمل. اذ سماهم مفتونين اي وقعوا في الفتنة وهي ليست كفرا حيث جاءت في مقابل الكفر والمقابلة تقتضي التفريق
٢- قوله عليه السلام في خطبه رقم ١٢٢ قاله للخوارج وقد خرج الى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة (ولكنا انما أصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام على مادخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها الى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وامسكنا عما سواها )
امير المؤمنين يصفهم بأهل الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل ولا يصفهم بالكفر والخروج من ملة الاسلام
٣- وبالنسبة لحزب معاوية واتباعة
يقول عليه السلام في ج٣ كتاب رقم ٥٨ كتبة الى أهل الامصار يقص فيه ماجرى بينه وبين أهل صفين
((وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد ودعوتنا في الإسلام واحدة ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء )
امير المؤمنين عليه السلام يبين للناس انه لم يكن بين اتباعة واتباع معاوية خلاف في الدين ولا يكفر معاوية وحزبة رغم قتالهم لأمير المؤمنين وعدم قبولهم طاعته وامامته سلام الله عليه
٤- وقوله عليه السلام في ج٣ كتاب رقم ٦٤ الي معاوية جوابا
( اما بعد فانا كنا نحن وانتم على ماذكرت من الالفة والجماعة ففرق بيننا وبينكم امس أنا امنا وكفرتم واليوم أنا استقمنا وفتنتم. )
امير المؤمنين عليه السلام فرق بين الكفر الذي بينهم قبل ان يسلموا وبين الفتنة التي وقعوا فيها
٥- مانسب الى مولانا الامام الصادق عن ابيه الباقر عليه السلام أن عليا عليه السلام كان يقول لاهل حربه : إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق . في كتاب قرب الإسناد للعلامة الحميري ص 45
فكيف التوفيق بين الامرين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع الفقهي والعقائدي: ليس هناك تعارض بين دعوى الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه في كفر الخارجين والباغين على أمير المؤمنين مولانا أسد الله الغالب علي بن أبي طالب عليه السلام وبين ما صدر من خطب تنفي عنهم حكم الكفر / الإجماع الذي ادَّعاه شيخ الطائفة رحمه الله هو إجماع دخولي مستند على الأخبار القطعية الصدور / يجب تقديم الأخبار القطعية على الخطب النهجية عند التعارض بينها وبين الأخبار القطعية / الرواية المنسوبة إلى الإمام الباقر عليه السلام ضعيفة سنداً بحسين بن علوان الكلبي الزيدي، وضعيفة دلالةً لموافقتها لأخبار العامة، فلا خير فيها / لا تخلو الرواية من أمرين / أكثر الأعلام حملوها على التقية.
بسمه تعالى
الجواب
السلام عليكم
لا تعارض بين قول الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه أنَّ الخارج على أمير المؤمنين عليه السلام والمقاتل له كافر بدليل اجماع الفرقة المحقة على ذلك...وبين ما أوردتموه من الخطب لأمير المؤمنين عليه السلام، وذلك لأن كلام الشيخ الطوسي رحمه الله لم يكن اجتهاداً في مقابل النصوص، لأن ما اعتمد عليه الشيخ الطوسي رحمه الله إنما هو إجماع دخوليٌّ مستنبط من الأخبار الصريحة في كفر من قاتل أمير المؤمنين عليه السلام بل الأخبار صريحة في كفر تارك الولاية له ولأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، فالشيخ الطوسي أعلى الله مقامه قد أجاد وأفلح بقوله المتقدم وهو موضع اتفاق بين الإمامية ولا خلاف في المسألة؛ لأن الإجماع المذكور متكئ على الأخبار القطعية الصدور الدالة على كفر التارك لولاية أمير المؤمنين عليه السلام فضلاً عن المحاربين له والباغين عليه، ومعنى كونه إجماعاً دخولياً أي أن المعصوم داخل في المجمعين بسبب الإطمئنان بحصول رضاه من خلال الأخبار القطعية الصادرة منهم عليهم السلام الكاشفة عن نظرهم الشريف في الحكم بالكفر على الباغين والمحاربين لأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام...وما تمسكتم به من الخطب العلوية لتبرأة المقاتلين له عليه السلام من الكفر لم يتفوه به فقيه ومتكلم سوى ما نسمع اليوم من عمائم بترية تحسن الظن بأعداء آل محمد، والبترية فرقة واقفية تجمع بالولاء لأمير المؤمنين عليه السلام وعدم التبري من أعدائه، ودعوى أن من قاتل أمير المؤمنين عليه السلام من المفتونين وبالتالي لا يجوز الحكم عليهم بالكفر دونها خرط القتاد وذلك لأن مجرد كونهم مفتونين لا يستلزم إنكار الحكم عليهم بالكفر لا سيما أنهم تلبسوا بجحود ولايته يوم الغدير وجحودهم ما نزل بحقه من آيات الكتاب الكريم، يضاف إليه تلبسهم بقتاله يوم صفين والجمل، والمحارب له محكوم عليه بالكفر بمقتضى ما جاء عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قال: يا علي ادن مني . فدنا منه ، فقال : إن السعيد حق السعيد من أحبك وأطاعك ، وإن الشقي كل الشقي من عاداك ونصب لك وأبغضك . يا علي ، كذب من زعم أنه يحبني ويبغضك . يا علي ، من حاربك فقد حاربني ، ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل . يا علي ، من أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، وأتعس الله جده ، وأدخله نار جهنم ". والأخبار في ذلك تفوق التواتر..أبعد هذا تقول بأن المفتون لا يحكم عليه بالكفر...!؟
إن أمير المؤمنين عليه السلام حينما عبّر عنهم بالمفتونين لأنهم مستغرقون بحب معاوية وعائشة مع كونهم متظاهرين بالإسلام ومع علمهم بأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قد حذر المسلمين من مخالفة أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام....وما تمسكتم به من خطب منسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام لا يصلح للإثبات الشرعي وذلك لضعف أسانيد الخطبتين المذكورتين وضعف دلالتيهما، مضافاً لمخالفتها للأخبار القطعية الصريحة بكفر من حارب أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يجوز تقديم خطبة أو خطبتين ظاهرهما متشابه على بقية المحكمات الأخبارية المقطوعة الصدور، فيحمل على غير ظاهره بمقتضى ما جاء في معالجة التعارض بين المحكم والمتشابه.
وبالرغم من تشابه الخطبتين وضعفهما السندي والدلالتي فإن للتأويل مجالاً كبيراً في علاج الخطبتين وذلك لأن ظاهر قوله عليه السلام بحق أهل الشام من باب مداراتهم وفضحهم وذلك لأن من يدعي الإسلام لا يحارب أمير الإسلام.
وقوله عليه السلام:" ما لي وقريش والله لقد قاتلتهم كافرين ولاقاتلنهم مفتونين واني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم " فليس فيه ما يدل على ما ادعيتموه من أن الأمير عليه السلام لم يحكم عليهم بالكفر لأنه أطلق عليهم الإفتتان، إذ إن الحكم عليهم بالإفتتان لا يخرجهم من الكفر باعتبار أن الحكم بالكفر أعم من كون الكافر منكراً لأصل الإسلام، بل يشمل المسلم المنكر لحكم ثابت في الإسلام، وحيث إن أهل البصرة كانوا ظاهراً من المسلمين وكانوا مفتونين بقادتها، لذا كان من الواضح عند أمير المؤمنين عليه السلام أن يعاملهم معاملة المسلمين ما لم يبدأوه بقتال وما لم يجحدوا إمامته وولايته، ولما بدأوه بالقتال كان الحكم عليهم بالكفر ملازماً لبدأهم بقتاله، ومن هذا القبيل ما جرى على الخوارج حيث عاملهم معاملة المسلمين ما داموا لم يباشروه بقتال....وكذلك بالنسبة إلى الخوارج فإنه عليه السلام عاملهم على ظاهر الإسلام عندما لم يجحدوا ولايته وإمامته ولم يبدأوه بقتال، فلما جحدوا إمامته وتلبسوا بقتاله حكم عليهم بالكفر...وأما ما ادعيتم برواية الحميري المروية عن الحسن بن ظريف وحسين بن علوان، فهي ضعيفة سنداً بحسين بن علوان، فإنه من العامة حسب تعبير الشيخ النجاشي ووافقه الشيخ الطوسي في الإستبصار ج1 ص 65 ح 196 ، حيث حكم عليه بأنه من العامة الزيدية ووافقه على ذلك العديد من الرجاليين الموثوقين، ودعوى أنه إمامي ضعيفة بحاجة إلى تثبيت وهو مفقود في البين، كما أنها ضعيفة دلالة لموافقتها لأخبار المخالفين، ولا خير في رواياتهم، كما لا خير في رواية في مصادرنا تصب في خانة أخبار المخالفينن من هنا حملها أكثر الأعلام على التقية....وبالغض عن كلّ ذلك، فإن للتأويل مجالاً في هذا المضمار، إذ ليس فيها ما يدل على توجهكم بل غاية ما يراد منها هو أن قتاله لهم لم يكن بسبب تكفيرهم للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بل لأنهم تعصبوا لباطلهم وضلالهم وهو كاف بخروجهم من الإسلام بمقتضى ما قلنا سابقاً أن الحكم بالكفر أعم من جحود الإسلام، فاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم محكومون بالكفر ولكن لا يجوز قتالهم لمجرد كونهم كفاراً ما لم يبدأوا المسلمين بقتال، بل إن الموجب للقتال هو التعصب للباطل والتعدي على الحقوق...وهذا يثبت ما قلنا من أن جهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لأهل البصرة والخوارج ومعاوية لم يكن لأجل كفرهم بأهل البيت عليهم السلام بل إنما كان لأجل تعديهم على أهل البيت عليهم السلام، ونفس قتالهم للمعصوم موجب للإرتداد فيزدادوا كفراً على كفرهم وضلالاً على ضلالهم...وكأن لسان رواية الحميري هو أن العلة في قتال الكفار إنما هو التعدي على أهل البيت عليهم السلام وليس السبب أو العلة هو الكفر، وهذا لا يستلزم عن كفر الكفار ومروق الفجار.....
وبعبارة أُخرى: إن خبر الحميري ـ على فرض صحة صدوره عن الإمام الباقر عليه السلام ـ لا يخلو من أمرين:
إمَّا الحمل على التقية وهو ما فعله أكثر الأعلام؛ وإمَّا الحمل على ما ذكرناه آنفاً، وهو قريب من الخبر الآخر المروي في قرب الإسناد وهو التالي:
298 - قرب الإسناد : بالاسناد قال : إن علياً لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكنه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا ". وهو ظاهر في التقية بلا إشكال وذلك لمخالفته لصريح الأخبار الدالة على كفر محاربيه.
والسلام عليكم ورحمة الله.
حررها العبد الأحقر
محمَّد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 16 جمادى الثانية 1436 هـ.