يحرم حبس الطيور والحيوانات بغير حقٍّ..
السلام عليكم
هل يحرم تربية العصافير او الطيور مثل الكناري او الببغاء المُسماة بطيور الزينة وحبسهن في قفص أليس هو حبس لحريتهم والقرآن الكريم يقول: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع الفقهي: (يحرم حبس الطيور والحيوانات بغير حقٍّ..).
بسم الله جلَّت عظمته
وعليكم السلام
الجواب: الكنار والببغاء كغيرهما من الطيور والحيوانات التي لا يجوز الإضرار بها لقول النبيّ الأعظم صلَّى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) أي لا يجوز للمؤمن أن يضرَّ بنفسه ولا أن يضرَّ بالآخرين بشراً كانوا أم حيوانات..فالنصُّ عام لا تخصيص فيه إلَّا في موارد محدودة منها أن تكون المصلحة بالإضرار راجعة إلى الإنسان أو الحيوان، وأين هي المصلحة الروحية في حبس الكنار أو الببغاء إلَّا إذا كانا معتادَينِ على الحبس فيجوز حبسهما ولكن بشرط الرفق بهما وإطعامهما والإحسان إليهما..فالمصلحة هنا راجعة إلى الحيوان المعتاد على الحبس، وأمَّا إذا لم يكن معتاداً على الحبس فيحرم حبسه بل الواجب إطلاق سراحه ليسرح في أرض الله الواسعة يأكل من خشاش الأرض، وقس عليها بقية الحيوانات الأليفة كالهرة والبقرة وما شابههما فلا يجوز حبسهم لمجرد أن صاحبهم يستأنس بذلك، أو أن أولاده يستأنسون بتعذيب الحيوان..فإن كلَّ ذلك يعدُّ تعذيباً للحيوان وهو من المحرمات القطعية.. والأخبار في ذلك عديدة ومتنوعة وقد جاءت بلسان الحرمة تارةً وبلسان الكراهة تارةً أُخرى منها:
1 – ما رواه العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ج 14 ص 503 ح 28 عن الأمالي مالي الطوسي: الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن علي بن حبيش عن عباس بن محمد بن الحسين، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني إسرائيل، فبينا هو يصلي وهو في عبادته إذ بصر بغلامين صبيين قد أخذا ديكاً وهما ينتفان ريشه، فأقبل على ما هو فيه من العبادة ولم ينههما عن ذلك، فأوحى الله إلى الأرض: أن سيخي بعبدي، فساخت به الأرض، فهو يهوي أبد الآبدين، ودهر الداهرين .
2 – وروى أيضاً المجلسي رحمه الله في البحار ج 61 ص 268 ح 30 و31 بإسناده عن وادر الراوندي : باسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قوم نصبوا دجاجة حية وهم يرمونها بالنبل، فقال: من هؤلاء لعنهم الله.
وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت في النار صاحب الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة، كانت أوثقتها ولم تكن تطعمها ولا ترسلها تأكل من خشاشة الأرض .
3 – وروى أيضاً ثواب الأعمال : عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشاً.
4 – وروى أيضاً عن السرائر: من كتاب أبان بن تغلب عن القاسم بن إسماعيل عن عيسى بن هشام عن أبان بن عثمان عن مسمع كردين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التحريش بين البهائم قال: أكره ذلك كله إلا الكلب .
والمراد بالتحريش هنا هو كما قال العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في بحاره ج 61 ص 227 ننقله بتوضيحٍ منا فقال: أي تحريش الكلب على الصيد لا تحريش الكلاب بعضها على بعض فهو حرام وذلك لأنه إضرار بها من ناحية، ولأن التحريش فيما بينها هو لهو ولغو وإضرار بالحيوانات بغير مصلحة فلا يبعد الحرمة..
إن حرمة إيذاء الحيوان بأيّ نوعٍ من التعذيب كالحبس والقتل والتمثيل به والتحريش فيما بينها لهو من المسلمات في فقهنا التشريعي..وقد فاقت الأخبار التواتر بمرات في حرمة إيذاء الحيوان مطلقاً إلَّا فيما يعود إلى مصلحة الحيوان كما أشرنا إليه سابقاً..
وبناءً على ما تقدَّم: يحرم حبس الطيور والحيوانات بغير مصلحة معتبرة شرعاً وعرفاً، ولا عبرة شرعاً بالإستئناس، والدليل عليه من جهتين:
(الأولى): إن حبسها يعتبر تقييداً لحريتها التي حباها الله تعالى بها، فلا يحقُّ للفرد السويّ أن يقيدها ليرضي نزواته وشهواته ويخوض في لهوه ولعبه ولغوه..كلُّ ذلك من لوازم النفس الأمَّارة بالسوء..فليصلحها المرء بما يرضي الربّ وليس بما يرضي شهواته ونفسه الأمَّارة بالسوء الخالية من الرحمة والشفقة واللين والخضوع لله تعالى والخوف من عقابه، فإن الله تعالى خلق الحيوانات لكي يستفيد منها البشر وليس ليلعبوا بها ويتلذذوا بأذيتها إرضاءً لنفوسهم الخبيثة..وقد جاء في النصوص أن الله تعالى يقتص من الحيوان الذي يعتدي على حيوان مثله، فكيف سيكون حال من يعتدي عليها بغير حقٍّ، فقد روي أن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها وحملها، فقال: أين صاحبها مروه فليستعد غداً للخصومة، تقول لك بين يدي الله تعالى: أيُّ ذنب كان لي حتى ظلمتني، فينتصف الله منك لها.
وهذا يدل على حشر الحيوانات المظلومة كما هو ظاهر الآية (وإذا الوحوش حشرت ) وروي في تفسيرها أنَّه قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (يوم يقتص للجماء من القرناء ). ويراد من الإقتصاص: الإنتصاف للجماء من القرناء لأن الثانية ذات القرون نطحت نظيرتها التي بلا قرون فظلمتها، فينتصف الله تعالى للجماء من القرناء، ولا يكون الإقتصاص إلَّا من ذنب ارتكبه المخلوق المدرك (والحيوانات فيها إدراك) بحق غيره سواء كان بشراً أم حيواناً، فإن الله تعالى سيعاقبه على كلِّ حرام.. ورد عن أبي ذر قال: بينا أنا عند رسول الله إذا انتطحت عنزان فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أتدرون فيم انتطحا ؟ فقالوا: لا ندري، قال : لكنَّ الله يدري سيقضي بينهما .
(الثانية): إن حبسها يعدُّ تعذيباً لها، ولم يخلقها الله تعالى للإنسان لكي يعذبها بغير ما يرضي الله تعالى كالذبح للأكل، ولا يجوز بغير ذلك إلَّا في مورد يخاف على الحيوان من التلف أو إدخال الضرر على نفسه، فيجوز حبسه وإن كان في حبسه ضررٌ عليه، فصاحبه رفيق به وشفيق عليه من إلحاق الضرر به فيحبسه لدفع ما يؤذيه..
والحمد لله ربّ العالمين، اللهم صلِّ على محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين وعجِّل فرجهم والعن أعداءهم.
عبد الإمام الحُجَّة القائم صلَّى الله عليه وآله
محمَّد جميل حمود العاملي/بيروت/ بتاريخ 28 شهر رمضان 1445 هجري قمري.